تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٧ - الصفحة ٢٥
أي فويل لهم، ووضع الموصول موضع ضميرهم تسجيلا عليهم بما في حيز الصلة من الكفر وإشعارا بعلة الحكم، والفاء لترتيب ثبوت الويل لهم على أن لهم عذابا عظيما كما أن الفاء التي قبلها لترتيب النهي عن الاستعجال على ذلك، و * (من) * في قوله سبحانه: * (من يومهم الذي يوعدون) * للتعليل؛ والعائد على الموصول محذوف أي يوعدونه أو يوعدون به على قول، والمراد بذلك اليوم قيل: يوم بدر، ورجح بأنه الأوفق لما قبله من حيث أنه ذنوب من العذاب الدنيوي، وقيل: يوم القيامة، ورجح بأنه الأنسب لما في صدر السورة الكريمة الآتية، والله تعالى أعلم.
ومما قاله بعض أهل الإشارة في بعض الآيات: * (والذاريات ذروا) * (الذاريات: 1) إشارة إلى الرياح التي تحمل أنين المشتاقين المتعرضين لنفحات الألطاف إلى ساحات العزة، ثم تأتي بنسيم نفحات الحق إلى مشام المحبين فيجدون راحة ما من غلبات اللوعة * (فالحاملات وقرا) * (الذاريات: 2) إشارة إلى سحائب ألطاف الألوهية تحمل أمطار مراحم الربوبية فتمطر على قلوب الصديقين * (فالجاريات يسرا) * (الذاريات: 3) إشارة إلى سفن أفئدة المحبين تجري برياح العناية في بحر التوحيد على أيسر حال * (فالمقسمات أمرا) * (الذاريات: 4) إشارة إلى الملائكة النازلين من حظائر القدس بالبشائر والمعارف على قلوب أهل الاستقامة، وإن شئت جعلت الكل إشارة إلى أنواع رياح العناية فمنها ما يطير بالقلوب في جو الغيوب، وقد قال العاشق المجازي: خذا من صبا نجد أمانا لقلبه * فقد كاد رياها يطير بلبه وإيا كما ذاك النسيم فإنه * متى هب كان الوجد أيسر خطبه ومنها * (الحاملات وقرا) * دواء قلوب العاشقين كما قيل: أيا جبلى نعمان بالله خليا * نسيم الصبا يخلص إلى نسيمها أجد بردها أو تشف مني حرارة * على كبد لم يبق إلا صميمها فإن الصبا ريح إذا ما تنسمت * على نفس مهموم تجلت همومها ومنها * (الجاريات) * من مهاب حضرات القدس إلى أفئدة أهل الانس بسهولة لتنعش قلوبهم، ومنها * (المقسمات) * ما جاءت به مما عبق بها من آثار الحضرة الإل‍اهية على نفوس المستعدين حسب استعداداتهم وإن شئت قلت غير ذلك فالباب واسع * (والسماء ذات الحبك) * (الذاريات: 7) إشارة إلى سماء القلب فإنها ذات طرائق إلى الله عز وجل * (إن المتقين في جنات وعيون) * (الذاريات: 15) إشارة إلى جنات الوصال وعيون الحكمة * (وبالأسحار هم يستغفرون) * (الذاريات: 18) يطلبون غفر أي ستر وجودهم بوجود محبوبهم، أو يطلبون غفران ذنب رؤية عبادتهم من أول الليل إلى السحر * (ومن كل شيء خلقنا زوجين) * (الذاريات: 49) إشارة إلى أن جميع ما يرى بارزا من الموجودا ليس واحدا وحدة حقيقية بل هو مركب ولا أقل من كونه مركبا من الإمكان، وشيء آخر فليس الواحد الحقيقي إلا الله تعالى الذي حقيقته سبحانه إنيته * (ففروا إلى الله) * (الذاريات: 50) بترك ما سواه عز وجل: * (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) * (الذاريات: 56) أي ليعرفون، وهو عندهم إشارة إلى ما صححوه كشفا من روايته صلى الله عليه وسلم عن ربه سبحانه أنه قال: " كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لأعرف " وفي كتاب " الأنوار السنية " للسيد نور الدين السمهودي يلفظ " كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف فخلقت هذا الخلق ليعرفوني في عرفوني " وفي " المقاصد الحسنة " للسخاوي بلفظ: " كنت كنزا لا أعرف فخلقت خلقا فعرفتهم بي
(٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 ... » »»