بالمتين بعد ولم يكتف به عن الوصف بالقوة؛ وقال الإمام: لما كان المقصود تقرير ما تقدم من عدم إرادة الرزق وعدم الاستعانة بالغير جيء بوصف الرزق على صيغة المبالغة لأنه بدونها لا يكفي في تقرير عدم إرادة الرزق وبوصف القوة بما لا مبالغة فيه لكفايته في تقرير عدم الاستعانة فإن من له قوة دون الغاية لا يستعين بغيره لكن لما لم يدل ذو القوة على أكثر من أن له تعالى قوة * (ما) * زيد الوصف بالمتين وهو الذي له ثبات لا يتزلزل، ثم قال: إن القوى أبلغ من ذي القوة والعزة أكمل من المتانة وقد قرن الأكمل بالأكمل وما دونه بما دونه في قوله تعالى: * (ليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز) * وفي قوله تعالى: * (إن الله هو الرزاق) * الخ لما اقتضى المقام ذلك، وقد أطال الكلام في هذا المقام وما أظنه يصفو عن كدر، وقرأ ابن محيصن - الرازق - بزنة الفاعل، وقرأ الأعمش. وابن وثاب - المتين - بالجر، وخرج على أنه صفة القوة، وجاز ذلك مع تذكيره لتأويلها بالاقتدار أو لكونه على زنة المصادر التي يستوي فيها المذكر والمؤنث، أو لاجرائه مجرى فعيل بمعنى مفعول، وأجاز أبو الفتح أن يكون صفة - لذو - وجر على الجوار - كقولهم هذا حجر ضب خرب - وضعف.
* (فإن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم فلا يستعجلون) *.
* (فأن للذين ظلموا) * أي إذا ثبت أن الله تعالى ما خلق الجن والإنس إلا ليعبدوه وأنه سبحانه ما يريد منهم من رزق إلى آخر ما تقدم فإن للذين ظلموا أنفسهم باشتغالهم بغير ما خلقوا له من العبادة وإشراكهم بالله عز وجل وتكذيبهم رسوله عليه الصلاة والسلام وهم أهل مكة وأضرابهم من كفار العرب * (ذنوبا) * أي نصيبا من العذاب * (مثل ذنوب) * أي نصيب * (اصحابهم) * أي نظرائهم من الأمم السالفة، وأصل الذنوب الدلو العظيمة الممتلئة ماءا، أو القريبة من الامتلاء، قال الجوهري: ولا يقال لها ذنوب وهي فارغة، وهي تذكر وتؤنث وجمعها أذنبة وذنائب فاستعيرت للنصيب مطلقا شرا كان كالنصيب من العذاب في الآية، أو خيرا كما في العطاء في قول علقمة بن عبدة التميمي يمدح الحرث بن أبي شمر الغساني وكان أسر أخاه شأسا يوم عين أباغ: وفي كل حي قد خبطت بنعمة * فحق لشأس من نداك (ذنوب) يروى أن الحرث لما سمع هذا البيت قال نعم وأذنبة ومن استعمالها في النصيب قول الآخر: لعمرك والمنايا طارقات * لكل بني أب منها (ذنوب) وهو استعمال شائع، وفي الكشاف هذا تمثيل أصله في السقاة يقتسمون الماء فيكون لهذا ذنوب ولهذا ذنوب قال الراجز: إنا إذا نازلنا غريب * له (ذنوب) ولنا (ذنوب) وإن أبيتم فلنا القليب * * (فلا يستعجلون) * أي لا يطلبوا مني أن أعجل في الاتيان به يقال استعجله أي حثه على العجلة وطلبها منه، ويقال: استعجلت كذا أن طلبت وقوعه بالعجلة، ومنه قوله تعالى: * (أتى أمر الله فلا تستعجلوه) * وهو على ما في الإرشاد جواب لقولهم: * (متى هذا الوعد إن كنتم صادقين).
* (فويل للذين كفروا من يومهم الذى يوعدون) *.
* (فويل للذين كفروا) *