تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٧ - الصفحة ١٥٩
* (إن كنتم ص‍ادقين) * في اعتقادكم عدم خالقيته تعالى فإن عدم تصديقهم بخالقيته سبحانه لهم عبارة عن تصديقهم بعدمها على مذهبهم، وفي " البحر " وغيره إن كنتم صادقين في تعطيلكم وكفركم بالمحيي والمميت المبدىء المعيد ونسبتكم إنزال المطر إلى الأنواء دونه عز وجل، وترجعون المذكور هو العامل - بإذا - الظرفية في * (إذا بلغت الحلقوم) * وهو المحضض عليه - بلولا - الأولى، و * (لولا) * الثانية تكرير للتأكيد، و * (لولا) * الأولى مع ما في حيزها دليل جواب الشرط الأول أعني * (إن كنتم غير مدينين) * والشرط الثاني مؤكد للأول مبين له، وقدم أحد الشرطين على * (ترجعونها) * للاهتمام والتقدير - فلولا ترجعونها إذا بلغت الحلقوم إن كنتم غير مربوبين صادقين فيما تزعمونه من الاعتقاد الباطل فلولا ترجعونها إذا بلغت الحلقوم - وحاصل المعنى أنكم إن كنتم غير مربوبين كما تقتضيه أقوالكم وأفعالكم فما لكم لا ترجعون الروح إلى البدن إذا بلغت الحلقوم وتردونها كما كانت بقدرتكم أو بواسطة علاج للطبيعة، وقوله تعالى: * (وأنتم حينئذ تنظرون) * جملة حالية من فاعل * (بلغت) * والاسمية المقترنة بالواو لا تحتاج في الربط للضمير لكفاية الواو فلا حاجة إلى القول بأن العائد ما تضمنه حينئذ لأن التنوين عوض عن جملة أي فلولا ترجعونها زمان بلوغها الحلقوم حال نظركم إليه وما يقاسيه من هول النزع مع تعطفكم عليه وتوفركم على إنجائه من المهالك، وقوله سبحانه: * (ونحن أقرب) * الخ اعتراض يؤكد ما سيق له الكلام من توبيخهم على صدور ما يدل على سوء اعتقادهم بربهم سبحانه منهم، وفي جواز جعله حالا مقال.
وقال أبو البقاء: * (ترجعونها) * جواب * (لولا) * الأولى، وأغني ذلك عن جواب الثانية، وقيل: عكس ذلك.
وقيل: * (إن كنتم) * شرط دخل على شرط فيكون الثاني مقدما في التقدير - أي إن كنتم صادقين إن كنتم غير مربوبين فارجعوا الأرواح إلى الأبدان - وما ذكرناه سابقا اختيار جار الله وأيا ما كان فقوله تعالى:
* (فأمآ إن كان من المقربين) *.
* (فأما إن كان من المقربين) * إلى آخره شروع في بيان حال المتوفى بعد الممات إثر بيان حاله عند الوفاة وضمير * (كان) * للمتوفى المفهوم مما مر أي فأما إن كان المتوفى الذي بين حاله من السابقين من الأزواج الثلاثة عبر عنهم بأجل أوصافهم.
* (فروح وريحان وجن‍ات نعيم) *.
* (فروح) * أي فله روح على أنه مبتدأ خبره محذوف مقدم عليه لأنه نكرة، وقيل: خبر مبتدأ محذوف أي فجزاؤه روح أي استراحة، والفاء واقعة في جواب أما، قال بعض الأجلة: تقدير هذا الكلام مهما يكن من شيء فروح الخ إن كان من المقربين فحذف مهما يكن من شيء، وأقيم أما مقامه ولم يحسن أن يلي الفاء أما، فأوقع الفصل بين أما والفاء بقوله سبحانه: * (إن كان من المقربين) * لتحسين اللفظ كما يقع الفصل بينهما بالظرف والمفعول، والفاء في * (فروح) * وأخويه جواب أما دون * (إن) *، وقال أبو البقاء: جواب أما * (فروح) *، وأما * (إن) * فاستغنى بجواب أما عن جوابها لأنه يحذف كثيرا، وفي " البحر " أنه إذا اجتمع شرطان فالجواب للسابق منهما، وجواب الثاني محذوف، فالجواب ههنا لأما، وهذا مذهب سيبويه.
وذهب الفارسي إلى أن المذكور جواب * (إن) * وجواب أما محذوف، وله قول آخر موافق لمذهب سيبويه.
وذهب الأخفش إلى أن المذكور جواب لهما معا، وقد أبطلنا المذهبين في شرح التسهيل انتهى، والمشهور أنه لا بد من لصوق الاسم - لأما - وهو عند الرضي وجماعة أكثري لهذه الآية، والذاهبون إلى الأول قالوا: هي بتقدير فأما المتوفى * (إن كان) * وتعقب بأنه لا يخفى أن التقدير مستغنى عنه ولا دليل عليه إلا اطراد الحكم، ثم إن كون - أما - قائمة مقام مهما يكن أغلبي إذ لا يطرد في نحو أما قريشا فأنا أفضلها إذ التقدير مهما ذكرت قريشا
(١٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 164 ... » »»