تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٧ - الصفحة ١١٦
للرب لأنه عنده تعالى فهي مثلها في قولهم: شاة رقود الحلب، وهي بمعنى - عند - عند الكوفيين أي رقود عند الحلب، وبمعنى اللام عند الجمهور كما صرح به شراح التسهيل وليست لأدنى ملابسة كما زعم أيضا، ثم إن المراد بالعندية هنا مما لا يخفى، وجوز أن يكون مقحما على سبيل الكناية، فالمراد ولمن خاف ربه لكن بطريق برهاني بليغ، ومثله قول الشماخ: ذعرت به القطا ونفيت عنه * (مقام الذئب) كالرجل اللعين وهو الأظهر على ما ذكره صاحب الكشف، والظاهر أن المراد ولكل فرد فرد من الخائفين:
* (جنتان) * فقيل: إحداهما منزله ومحل زيارة أحبابه له، والأخرى منزل أزواجه وخدمه، وإليه ذهب الجبائي، وقيل: بستانان بستان داخل قصره وبستان خارجه، وقيل: منزلان ينتقل من أحدهما إلى الآخر لتتوفر دواعي لذته وتظهر ثمار كرامته، وأين هذا ممن يطوف بين النار، وبين حميم آن؟؟.
وجوز أن يقال: جنة لعقيدته وجنة لعمله، أو جنة لفعل الطاعات وجنة لترك المعاصي، أو جنة يثاب بها وأخرى يتفضل بها عليه، أو إحداهما روحانية والأخرى جسمانية، ولا يخفى أن الصفات الآتية ظاهرة في الجسمانية.
وقال مقاتل: جنة عدن وجنة نعيم، وقيل: المراد لكل خائفين منكما جنتان جنة للخائف الإنسي وجنة للخائف الجني، فإن الخطاب للفريقين، وهذا عندي خلاف الظاهر، وفي الآثار ما يبعده، فقد أخرج البيهقي في شعب الإيمان عن الحسن أنه كان شاب على عهد رضي الله تعالى عنه ملازم للمسجد والعبادة فعشقته جارية فأتته في خلوة فكلمته فحدثته نفسه بذلك فشهق شهقة فغشى عليه فجاء عم له فحمله إلى بيته فلما أفاق قال: يا عم انطلق إلى عمر فاقرئه مني السلام وقل له ما جزاء من خاف مقام ربه؟ فانطلق فأخبر عمر وقد شهق الفتى شهقة أخرى فمات فوقف عليه عمر رضي الله تعالى عنه فقال: لك جنتان لك جنتان.
والخوف في الأصل توقع مكروه عند أمارة مظنونة أو معلومة ويضاده الأمن قال الراغب: والخوف من الله تعالى لا يراد به ما يخطر بالبال من الرعب كاستشعار الخوف من الأسد بل إنما يراد به الكف عن المعاصي وتحري الطاعات، ولذلك قيل: لا يعد خائفا من لم يكن للذنوب تاركا، ويؤيد هذا تفسير ابن عباس رضي الله تعالى عنهما الخائف هنا كما أخرج ابن جرير عنه بمن ركب طاعة الله تعالى وترك معصيته.
وقول مجاهد: هو الرجل يريد الذنب فيذكر الله تعالى فيدع الذنب، والذي يظهر أن ذلك تفسير باللازم، وقد يقال: إن ارتكاب الذنب قد يجامع الخوف من الله تعالى وذلك كما إذا غلبته نفسه ففعله خائفا من عقابه تعالى عليه، وأيد ذلك بما أخرجه أحمد. والنسائي. والطبراني. والحكيم الترمذي في نوادر الأصول. وابن أبي شيبة. وجماعة عن أبي الدرداء " أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية * (ولمن خاف مقام ربه جنتان) * فقلت: وإن زنى وإن سرق يا رسول الله؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام: الثانية * (ولمن خاف مقام ربه جنتان) * فقلت: وإن زني وإن سرق؟ فقال الثالثة: * (ولمن خاف مقام ربه جنتان) * فقلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: نعم وإن رغم أنف أبي الدرداء " وأخرج الطبراني. وابن مردويه من طريق الجريري عن أخيه قال: سمعت محمد بن سعد يقرأ - ولمن خاف مقام ربه جنتان وإن زنى وإن سرق - فقلت: ليس فيه وإن زنى وإن سرق
(١١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 111 112 113 114 115 116 117 118 119 120 121 ... » »»