تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٦ - الصفحة ٩٤
من مقولة الكم وإنما قيل هو كيف أو انفعال أو اضافة وتعلق بين العلم والمعلوم أو صفة ذات إضافة؛ والأشهر أنه كيف فمتى صح ذلك وقلنا بمغايرة الشدة والضعف للزيادة والنقص فلا بأس بحملهما في النصوص وغيرها على الشدة والضعف وذلك مجاز مشهور، وإنكار اتصاف الإيمان بهما يكاد يلحق بالمكابرة فتأمل، وذكر بعضهم هنا أن الإيمان الذي هو مدخول مع هو الإيمان الفطري والإيمان المذكور قبله الإيمان الاستدلالي فكأنه قيل: ليزدادوا إيمانا استدلاليا مع إيمانهم الفطري، وفيه من الخفاء ما فيه * (ولله جنود السموات والأرض) * يدبر أمرها كيفما يريد فيسلط بعضها على بعض تارة ويوقع سبحانه بينها السلم أخرى حسبما تقتضيه مشيئته المبنية على الحكم والمصالح، ومن قضية ذلك ما وقع في الحديبية * (وكان الله عليما) * مبالغا في العلم بجميع الأمور * (حكيما) * في تقديره وتدبيره عز وجل.
وقوله سبحانه:
* (ليدخل المؤمنين والمؤمن‍ات جن‍ات تجرى من تحتها الانه‍ار خ‍الدين فيها ويكفر عنهم سيئ‍اتهم وكان ذلك عند الله فوزا عظيما) *.
ليدخل المؤمني والمؤمنت جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها) * متعلق بما يدل عليه ما ذكر من كون جنود السموات والأرض له جل شأنه من معنى التصرف والتدبير، وقد صرح بعض الأفاضل بانه كناية عنه أي دبر سبحانه ما دبر من تسليط المؤمنين ليعرفوا نعمة الله تعالى في ذلك ويشكروها فيدخلهم الجنة فالعلة في الحقيقة معرفة النعمة وشكرها لكنها لما كانت سببا لدخول الجنة أقيم المسبب مقام السبب.
وقيل: متعلق بفتحنا، وقيل: بانزل، وتعلقه بذلك مع تعلق اللام الأخرى به مبني على تعلق الأول به مطلقا والثاني مقيدا وتنزيل تغاير الوصفين منزلة تغاير الذاتين وإلا فلا يتعلق بعامل واحد حرفا جر بمعنى واحد من غير اتباع، وقيل: متعلق بينصرك، وقيل: بيزداد، وقيل: بجميع ما ذكر إما على التنازع والتقدير أو بتقدير ما يشمل ذلك كفعل سبحانه ما ذكر ليدخل الخ، وقيل: هو بدل من ليزداد بدل اشتمال فإن ادخال المؤمنين والمؤمنات الجنة وكذا ما عطف عليه مستلزم لزيادة الإيمان وبدل الاشتمال يعتمد على ملابسة ما بين المبدل والمبدل منه بحيث يشعر أحدهما بالآخر غير الكلية والبعضية، ولعل الأظهر الوجه الأول، وضم المؤمنات ههنا إلى المؤمنين دفعا لتوهم اختصاص الحكم بالذكور لأجل الجهاد والفتح على أيديهم، وكذا في كل موضع يوهم الاختصاص يصرح بذكر النساء، ويقال نحو ذلك فيما بعد كذا قيل: واخرج ابن جرير. وجماعة عن أنس قال: " أنزلت على النبي صلى الله عليه وسلم لغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر في مرجعه من الحديبية فقال: لقد أنزلت على آية هي أحب إلى مما على الأرض ثم قرأها عليهم فقالوا: هنيئا مريئا يا رسول الله قد بين الله تعالى لك ماذا يفعل بك فماذا يفعل بنا فنزلت ليدخل المؤمنين والمؤمنات حتى بلغ فوزا عظيما ".
* (ويكفر عنهم سيئاتهم) * أي يغطيها ولا يظهرها، والمراد يمحوها سبحانه ولا يؤاخذهم بها، وتقديم الادخال في الذكر على التكفير مع أن الترتيب في الوجود على العكس للمسارعة إلى بيان ما هو المطلوب إلا على كذا قال غير واحد، ويجوز عندي أن يكون التكفير في الجنة على أن المعنى يدخلهم الجنة ويغطي سيآتهم ويسترها عنهم فلا تمر لهم ببال ولا يذكرونها أصلا لئلا يخجلوا فيتكدر صفو عيشهم، وقد مر مثل ذلك.
* (وكان ذالك) * أي ما ذكر من الادخال والتكفير * (عند فوزا عظيما) * لا يقادر قدره لأنه منتهى ما تمتد إليه أعناق الهمم من جلب نفع ودفع ضر، و * (عند الله) * حال من * (فوزا) * لأن صفة النكرة إذا قدمت عليها
(٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 ... » »»