تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٦ - الصفحة ٩١
وهو كما ترى وإن قاله الإمام أيضا، وأقول: يمكن أن يكون في إسناد المغفرة إليه تعالى بالاسم الأعظم بعد إسناد الفتح إليه تعالى بنون العظمة إيماء إلى أن المغفرة ما يتولاها سبحانه بذاته وأن الفتح مما يتولاه جل شأنه بالوسائط، وقد صرح بعضهم بأن عادة العظماء أن يعبروا عن أنفسهم بصيغة المتكلم مع الغير لأن ما يصدر عنهم في الأكثر باستخدام توابعهم، ولا يعترض بأن النصر كالفتح وقد أسند إلى الاسم الجليل لما يخفي عليك، وتقديم * (لك) * على المفعول الصريح أعني قوله تعالى: * (ما تقدم من ذنبك وما تأخر) * لما مر غير مرة، و * (ما) * للعموم والمتقدم والمتأخر للإحاطة كناية عن الكل، والمراد بالذنب ما فرط من خلاف الأولى بالنسبة إلى مقماه عليه الصلاة والسلام فهو من قبيل حسنات الأبرار سيآت المقربين، وقد يقال: المراد ما هو ذنب في نظره العالي صلى الله عليه وسلم وان لم يكن ذنبا ولا خلاف الأولى عنده تعالى كما ير من إلى ذلك الإضافة.
وقال الصدر: يمكن أن يكون قوله تعالى: * (ليغفر) * الخ كناية عن عدم المؤاخذة أو من باب الاستعارة التمثيلية من غير تحقق معاني المفردات. وأخرج ابن المنذر عن عامر. وأبي جعفر أنهما قالا: ما تقدم في الجاهلية وما تأخر في الإسلام، وقيل ما تقدم من حديث مارية وما تأخر من امرأة زيد وليس بشيء مع أن العكس أولى لأن حديث امرأة زيد متقدم. وفي الآية مع ما عهد من حاله صلى الله عليه وسلم من كثرة العبادة ما يدل على شرف مقامه إلى حيث لا تحيط به عبارة، وقد صح أنه صلى الله عليه وسلم لما نزلت صام وصلى حتى انتفخت قدماه وتعبد حتى صار كالشن البالي فقيل له: أتفعل هذا بنفسك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك أو ما تأخر؟ فقال عليه الصلاة والسلام: أفلا أكون عبدا شكورا * (ويتم نعمته عليك) * باعلاء الدين وانتشاره في البلاد وغير ذلك مما أفاضه تعالى عليه صلى الله عليه وسلم من النعم الدينية والدنيوية * (ويهديك صراطا مستقيما) * في تبليغ الرسالة وإقامة الحدود، قيل: إن أصل الاستقامة وإن كان حاصلا قبل الفتح لكن حصل بعد ذلك من اتضاح سبل الحق واستقامة مناهجه ما لم يكن حاصلا قبل.
* (وينصرك الله نصرا عزيزا) *.
* (وينصرك الله) * اظهار الاسم الجليل مع النصر قيل: لكونه خاتمة العلل أو الغايات ولإظهار كمال العناية بشأنه كما يعرب عنه أردافه بقوله تعالى: * (نصرا عزيزا) * وقال الصدر: أظهر الاسم في الصدر وهنا لأن المغفرة تتعلق بالآخرة والنصر يتعلق بالدنيا فكأنه أشير بإسناد المغفرة والنصر إلى صريح اسمه تعالى إلى أن الله عز وجل هو الذي يتولى أمرك في الدنيا والآخرة، وقال الإمام: أظهرت الجلالة هنا إشارة إلى أن النصر لا يكون إلا من عند الله تعالى كما قال تعالى: * (وما النصر إلا من عند الله) * (آل عمران: 126) وذلك لأن النصر بالصبر والصبر بالله قال تعالى: * (وما صبرك إلا بالله) * (النحل: 127) لأنه سكون القلب واطمئنانه وذلك بذكر الله * (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) * (الرعد: 28) والعزيز بحسب الظاهر هو المنصور، وحيث وصف به النصر فهو إما للنسبة وإن كان المعروف فيها فاعلا كلا بن وفعالا كبزاز أي نصرا فيه عز ومنعة، أو فيه نجوز في الإسناد من باب وصف المصدر بصيغة المفعول وهو المنصور هنا نحو * (عذاب أليم) * في قول لا الفاعل وهو الناصر لما قيل من عدم مناسبته للمقام وقلة فائدته إذ الكلام في شأن المخاطب المنصور، لا المتكلم الناصر وفيه شيء، وقيل: الكلام بتقدير مضاف أي عزيز صاحبه وهو المنصور وفيه تكلف الحذف والإيصال.
وقد يقال: يحتاج إلى شيء مما ذكر إذ لا مانع من وصف النصر بالعزيز على ما هو الظاهر بناء على أحد معاني الغزة
(٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 ... » »»