في اللاهوت، ونصرة الله سبحانه للعبد على وجهين أيضا صورة ومعنى، أما نصرته تعالى للعبد في الصورة فبإرسال الرسل وإنزال الكتب وإظهار المعجزات والآيات وتبيين السبل إلى النعيم والجحيم، ثم بالأمر بالجهاد الأصغر والأكبر وتوفيق السعي فيهما طلبا لرضاه عز وجل، وأما نصرته تعالى له في المعنى فبافناء وجوده في وجوده سبحانه بتجلي صفات جماله وجلاله * (مثل الجنة التي وعد المتقون) * يشير إلى جنة قلوب أرباب الحقائق الذين اتقوا عما سواه جل وعلا * (فيها أنهار من ماء غير آسن) * هو ماء الحياة الروحانية لم يتغير بطول المكث * (وأنهار من لبن) * وهو العلم الحقاني الذي هو غذاء الأرواح أو لبن الفطرة التي فطر الناس عليها * (لم يتغير طعمه) * بحموضة الشكوك والأوهام أو الأهواء والبدع * (وأنهار من خمر لذة للشاربية) * وهي خمر الشوق والمحبة: يقولون لي صفها فأنت بوصفها * خبير أجل عندي بأوصافها علم صفاء ولا ماء ولطف ولا هوى * ونور ولا نار وروح ولا جسم * (وأنهار من عسل) * وهو عسل الوصال * (مصفى) * عن كدر الملال وخوف الزوال * (ولهم فيها من كل الثمرات) * اللذائذ الروحانية * (ومغفرة من ربهم) * ستر لذنب وجودهم كما قيل. وجودك ذنب لا يقاس به ذنب * (كمن هو خالد في النار) * نار الجفاء * (وسقوا ماء حميما) * وهو ماء الخذلان * (فقطع أمعاءهم) * (محمد: 15) من الحرمان ولو نشاء * (لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم) * وهي ظلمة في وجوههم تدرك بالنظر الإلهي قيل: المؤمن ينظر بنور الفراسة والعارف بنور التحقيق والنبي عليه الصلاة والسلام ينظر بالله عز وجل، وقيل: كل من رزق قرب النوافل ينظر به تعالى لحديث " لا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به " الحديث وحينئذ يبصر كل شيء، ومن هنا كان بعض الأولياء الكاملين يرى على ما حكى عنه أعمال العباد حين يعرج بها وسبحان السميع البصير اللطيف الخبير.
سورة الفتح نزلت بالمدينة على ما روى عن ابن عباس. وابن الزبير رضي الله تعالى عنهم، والأخبار تدل على أنها نزلت في السفر لا في المدينة نفسها وهو الصحيح. أخرج ابن أبي شيبة. وأحمد. والبخاري في تاريخه. وأبو داود. والنسائي. وجماعة عن ابن مسعود قال: " أقبلنا من الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أي عام ست بعد الهجرة وكان قد خرج إليها عليه الصلاة والسلام يوم الإثنين هلال ذي القعدة فأقام بها بضعة عشر يوما، وقيل: عشرين يوما ثم قفل عليه الصلاة والسلام فبينما نحن نسير إذ أتاه الوحي وكان إذا أتاه اشتد عليه فسرى عنه وبه من السرور ما شاء الله تعالى فأخبرنا أنه أنزل عليه * (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) * (الفتح: 1) وأخرج أحمد. والبخاري. والترمذي. والنسائي. وابن حبان. وابن مردويه عن عمر بن الخطاب قال: " كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فسألته عن شيء ثلاث مرات فلم يرد علي فحركت بعيري ثم تقدمت أمام الناس وخشيت أن ينزل في القرآن فما نشبت إذ سمعت صارخا يصرخ بي فوجفت وأنا أظن أنه نزل في شيء فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد أنزل على الليلة سورة أحب إلي من الدنيا وما فيها * (إنا فتحنا لك فتحنا مبينا * ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) * (الفتح: 1، 2) وفي حديث صحيح أخرجه أحمد. وأبو داود. وغيرهما عن مجمع بن جارية الأنصاري ما يدل على أنها نزلت بعد منصرفه صلى الله عليه وسلم من الحديبية أيضا وأن ذلك عند كراع الغميم فقرأها عليه الصلاة والسلام على الناس وهو على راحلته، وفي رواية ابن سعد عنه