تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٦ - الصفحة ٨٩
هذا مع القول بأن الأزلي مدلول اللفظي عسير جدا، وكذا القول بأن المتصف بالمضي وغيره إنما هو اللفظ الحادث دون المعنى القديم. وأجاب بعضهم بأن العسر لو كان دلالة اللفظي عليه دلالة الموضوع على الموضوع له وليس كذلك عندهم بل هي دلالة الأثر على المؤثر، ولا يلزم من اعتبار شيء في الأثر اعتباره في المؤثر، ولا يخفى أن كون الدلالة دلالة الأثر على المؤثر خلاف الظاهر، وقال ابن الصدر في ذلك: إن اشتمال الكلام اللفظي على المضي والحضور والاستقبال إنما هو بالنظر إلى زمان المخاطب لا إلى زمان المتكلم كما إذا أرسلت زيدا إلى عمرو تكتب في مكتوبك إليه إني أرسلت إليك زيدا مع أنه حين ما تكتبه لم يتحقق الإرسال فتلاحظ حال المخاطب، وكما تقدر في نفسك مخاطبا وتقول: لم تفعل الآن كذا وكان قبل ذلك كذا، ولا شك أن هذا المضي والحضور والاستقبال بالنسبة إلى زمان الوجود المقدر لهذا المخاطب لا بالنسبة إلى زمان المتكلم بالكلام النفسي لكونه متوجها لمخاطب مقدر لا يلاحظ فيه إلا أزمنة المخاطبين المقدرين، وما اعتبره أئمة العربية من حكاية الحال الماضية واعتبار المضي والحضور والاستقبال في الجملة الحالية بالقياس إلى زمان الفعل لا زمان التكلم قريب منه جدا انتهى، وللمحقق ميرزاجان كلام في هذا المقام يطلب من حواشيه على الشرح العضدي.
وقيل: المراد بالفتح فتح الروم على إضافة المصدر إلى الفاعل فإنهم غلبوا على الفرس في عام النزول، وكونه فتحا له عليه الصلاة والسلام لأنه أخبر عن الغيب فتحقق ما أخبر به في ذلك العام ولأنه تفاءل به لغلبة أهل الكتاب المؤمنين وفي ذلك من ظهور أمره صلى الله عليه وسلم ما هو بمنزلة الفتح، قيل: ففي الفتح استعارة لتشبيه ظهوره صلى الله عليه وسلم بالفتح، وقيل: لا تجوز فيه وإنما التجوز في تعلقه به عليه الصلاة والسلام، وقيل: لا تجوز أصلا والمعنى فتحنا على الروم لأجلك. وأنت تعلم أن حمل الفتح على ما ذكره في نفسه بعيد جدا.
وأورد عليه أن فتح الروم لم يكن مسببا على الجهاد ونحوه فلا يصح ما ذكروه في توجيه التعليل الآتي، وعن قتادة * (فتحنا) * من الفتاحة بالضم وهي الحكومة أي انا قضينا لك على أهل مكة أن تدخلها أنت وأصحابك من قابل لتطوفوا بالبيت وهو بعيد أيضا، وقيل: المراد به فتح الله تعالى له صلى الله عليه وسلم بالإسلام والنبوة والدعوة بالحجة والسيف؛ وقريب منه ما نقله الراغب من أنه فتحه عز وجل له عليه الصلاة والسلام بالعلوم والهدايات التي هي ذريعة إلى الثواب والمقامات المحمودة، وأمره في البعد كما سبق، وأيا ما كان فحذف المفعول للقصد إلى نفس الفعل والإيذان بأن مناط التبشير نفس الفتح الصادر عنه سبحانه لا خصوصية المفتوح، وتقديم * (لك) * على المفعول المطلق أعني قوله تعالى: * (فتحا مبينا) * مع أن الأصل تقديمه على سائر المفاعيل كما صرح به العلامة التفتازاني للاهتمام بكون ذلك لنفعه عليه الصلاة والسلام، وقيل: لأنه مدار الفائدة، و * (مبين) * من أبان بمعنى بأن اللازم أي فتحابينا ظاهر الأمر مكشوف الحال أو فارقا بين الحق والباطل.
* (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما) *.
* (ليغفر لك الله) * مذهب الأشاعرة القائلين بأن أفعاله تعالى لا تعلل بالاغراض أن مثل هذه اللام للعاقبة أو لتشبيه مدخولها بالعلة الغائية في ترتبه على متعلقها وترتب المغفرة على الفتح من حيث أن فيه سعيا منه صلى الله عليه وسلمفي إعلاء كلمة الله تعالى بمكابدة مشاق الحروب واقتحام موارد الخطوب؛ والسلف كما قال ابن القيم وغيره يقولون بتعليل أفعاله عز وجل، وفي " شرح المقاصد " للعلامة التفتازاني أن من بعض أدلتهم - أي الأشاعرة - ومن وافقهم على هذا المطلب يفهم أنهم أرادوا عمون السلب ومن بعضها أنهم أرادوا سلب العموم، ثم قال: الحق أن بعض
(٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 ... » »»