تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٦ - الصفحة ٩٥
أعربت حالا، وكونه يجوز فيه الحالية إذا تأخر عن * (عظيما) * لاضير فيه كما توهم أي كائنا عند الله تعالى أي في علمه سبحانه وقضائه جل شأنه، والجملة اعتراض مقرر لما قبله، وقوله تعالى:
* (ويعذب المن‍افقين والمن‍افق‍ات والمشركين والمشرك‍ات الظآنين بالله ظن السوء عليهم دآئرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وسآءت مصيرا) *.
* (ويعذب المنافقين والمن‍افق‍ات والمشركين والمشرك‍ات) * عطف على يدخل أي وليعذب المنافقين الخ لغيظهم من ذلك، وهو ظاهر على جميع الأوجه السابقة في * (ليدخل) * حتى وجه البدلية فإن بدل الاشتمال تصححه اللابسة كما مر، وازدياد الإيمان على ما ذكرنا في تفسيره مما يغيظهم بلا ريب، وقيل: إنه على هذا الوجه يكون عطفا على المبدل منه، وتقديم المنافقين على المشركين لأنهم أكثر ضررا على المسلمين فكان في تقديم تعذيبهم تعجيل المسرة.
* (الظآنين بالله ظن السوء) * أي ظن الأمر الفاسد المذموم وهو أنه عز وجل لا ينصر رسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، وقيل: المراد به ما يعم ذلك وسائر ظنونهم الفاسدة من الشرك أو غيره * (عليهم دائرة السوء) * أي ما يظنونه ويتربصونه بالمؤمنين فهو حائق بهم ودائر عليهم، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو * (دائرة السوء) * بالضم، والفرق بينه وبين * (السوء) * بالفتح على ما في الصحاح أن المفتوح مصدر والمضموم اسم مصدر بمعنى المساءة.
وقال غير واحد: هما لغتان بمعنى كالكره والكره عند الكسائي وكلاهما في الأصل مصدر غير أن المفتوح غلب في أن يضاف إليه ما يراد ذمه والمضموم جري مجري الشر، ولما كانت الدائرة هنا محمودة وأضيفت إلى المفتوح في قراءة الأكثر تعين على هذا أن يقال: إن ذاك على تأويل انها مذمومة بالنسبة إلى من دارت عليه من المنافقين والمشركين واستعمالها في المكروه أكثر وهي مصدر بزنة اسم الفاعل أو اسم فاعل، وإضافتها على ما قال الطيبي من إضافة الموصوف إلى الصفة للبيان على المبالغة، وفي الكشف الإضافة بمعنى من على نحو دائرة ذهب فتدبر.
والكلام إما اخبار عن وقوع السوء بهم أو دعاء عليهم، وقوله تعالى: * (وغضب الله عليهم ولعنهم وأعدلهم جهنم) * عطف على ذلك، وكان الظاهر فلعنهم فأعد بالفاء في الموضعين لكنه عدل عنه للإشارة إلى أن كلا من الأمرين مستقل في الوعيد به من غير اعتبار للسببية فيه * (وسآءت مصيرا) * جهنم.
* (ولله جنود السم‍اوات والارض وكان الله عزيزا حكيما) *.
* (ولله جنود السموات و * (الأرض) * ذكر سابقا على أن المراد أنه عز وجل المدبر لأمر المخلوقات بمقتضى حكمته فلذلك ذيل بقوله تعالى: * (عليما حكيما) * وههنا أريد به التهديد بأنهم في قبضة قدرة المنتقم ولذا ذيل بقوله تعالى: * (وكان الله عزيزا حكيما) * فلا تكرار كما قال الشهاب، وقيل: إن الجنود جنود رحمة وجنود عذاب، والمراد به هنا الثاني كام ينبىء عنه التعرض لوصف العزة.
* (إنآ أرسلن‍اك ش‍اهدا ومبشرا ونذيرا) *.
* (إنصا أرسلن‍اك ش‍اهدا) * أي على امتك لقوله تعالى: * (ويكون الرسول عليكم شهيدا) * وأخرج عبد بن حميد. وابن جرير. عن قتادة شاهدا على أمتك وشاهدا على الأنبياء عليهم السلام أنهم قد بلغوا * (ومبشرا) * بالثواب على الطاعة * (ونذيرا) * بالعذاب على المعصية.
* (لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا) *.
* (لتؤمنوا بالله ورسوله) * الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وأمته كقوله سبحانه: * (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء) * (الطلاق: 1) وهو من باب التغليب غلب فيه المخاطب على الغيب فيفيد أن النبي عليه الصلاة والسلام مخاطب بالإيمان برسالته لأمة وهو كذلك، وقال الواحدي: الخطاب في * (أرسلناك) * للنبي صلى الله عليه وسلم وفي * (لتؤمنوا) * لأمته فعلى هذا إن كان اللام للتعليل يكون المعلل محذوفا أي لتؤمنوا بالله وكيت وكيت فعل ذلك الإرسال أو للأمر على طريقة * (بذلك فلتفرحوا) * على قراءة التاء الفوقانية فقيل هو على معنى قل لهم: لتؤمنوا الخ، وقيل: هو للأمة على أن خطابه صلى الله عليه وسلم منزل منزلة خطابهم فهو عينه ادعاء، واللام متعلقة بأرسلنا، ولا يعترض
(٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 ... » »»