أفعاله تعالى معلل بالحكم والمصالح وذلك ظاهر والنصوص شاهدة به، وأما تعميم ذلك بأنه لا يخلو فعل من أفعاله سبحانه من غرض فمحل بحث، وذكر الأصفهاني في " شرح الطوالع " في هذه المسألة خلافا للمعتزلة وأكثر الفقهاء، وأنا أقول: بما ذهب إليه السلف لوجود التعليل فيما يزيد على عشرة آلاف آية وحديث والتزام تأويل جميعها خروج عن الانصاف، وما يكذره الحاضرون من الأدلة يدفع بأدنى تأمل كما لا يخفى على من طالع كتب السلفيين عليهم الحرمة. وفي الكشاف لم يجعل الفتح علة للمغفرة لكن لاجتماع ما عدد من الأمور الأربعة وهي المغفرة واتمام النعمة وهداية الصراط المستقيم والنصر العزيز كأنه قيل: يسرنا لك فتح مكة ونصرناك على عدوك لنجمع لك بين عز الدارين واغراض العاجل والآجل، وحاصله كما قال العلامة ان الفتح لم يجعل علة لكل من المتعاطفات بعد اللام أعني المغفرة واتمام النعمة والهداية والنصر بل لاجتماعها، ويكفي في ذلك أن يكون له دخل في حصول البعض كإتمام النعمة والنصر العزيز، وتحقيقه كما قال أن العطف على المجرور باللام قد يكون للاشتراك في متعلق اللام مثل جئتك لأفوز بلقياك وأحوز عطاياك ويكون بمنزلة تكرير اللام وعطف جار ومجرور على جار ومجرور، وقد يكون للاشتراك في معنى اللام كجئتك لتستقر في مقامك وتفيض على من انعامك أي لاجتماع الأمرين، ويكون من قبيل جاءني غلام زيد وعمرو أي الغلام الذي لهما. واستظهر دفعا لتوهم أنه إذا كان المقصود البعض فذكر الباقي لغو أن يقال: لا يخلو كل منهما أن يكون مقصودا بالذات وهو ظاهر أو المقصود البعض وحينئذ فذكر غيره إما لتوقفه عليه أو لشدة ارتباطه به أو ترتبه عليه فيذكر للإشعار بأنهما كشيء واحد كقوله تعالى: * (أن تضل إحداهما فتذكر احداهما الأخرى) * (البقرة: 282) وقولك: أعددت الخشب ليميل الحائط فادعمه ولازمت غريمي لأستوفي حقي وأخليه. وظاهر كلام الزمخشري أن المقصود فيما نحن فيه تعليل الهيئة الإجتماعية فحسب فتأمل لتعرف أنه من أي الاقسام هو. واعلم أن المشهور كون العلة ما دخلته اللام لا ما تعلقت به كما هو ظاهر عبارة الكشاف؛ لكن حقق أنها إذا دخلت على الغاية صح أن يقال: إن ما بعدها علة ويراد بحسب التعقل وأن يقال: ما تعلقت به علة ويراد بحسب الوجود فلا تغفل. وزعم صاحب الغنيان أن اللام ههنا هي لام القسم وكسرت وحذف النون من الفعل تشبيها بلام كي. ورد بأن لام القسم لا تكسر ولا ينصب بها فإنه لم يسمع والله ليقوم زيد على معنى ليقومن زيد، وانتصر له بأن الكسر قد علل بتشبيهها بلام كي.
وأما النصب فله أن يقول فيه: بأنه ليس نصبا وإنما هو الحركة التي تكون مع وجود النون بقيت بعد حذفها دلالة على الحذف. وأنت تعلم أنه لا يجدي نفعا مع عدم السماع، هذا والالتفات إلى اسم الذات المستتبع لجميع الصفات قيل: للاشعار بأن كل واحد مما انتظم في سلك الغاية من أفعاله تعالى صادر عنه عز وجل من حيثية غير حيثية الآخر مترتبة على صفة من صفاته جل شأنه.
وقال الصدر لا يبعد أن يقال: إن التعبير عنه تعالى في مقام المغفرة بالاسم الجليل المشعر بصفات الجمال والجلال يشعر بسبق مغفرته تعالى على عذابه، وفي البحر لما كان الغفران وما بعده يشترك في إطلاقه الرسول عليه الصلاة والسلام وغيره لقوله تعالى: * (ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) * (النساء: 116) وقوله سبحانه: * (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي) * (المائدة: 3) وقوله تعالى: * (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم) * (البقرة: 4) وقوله عز وجل: * (يهدي من يشاء) * (البقرة: 142) وقوله تبارك وتعالى: * (أنهم لهم المنصورون) * (الصافات: 172) وكان الفتح مختصا بالرسول صلى الله عليه وسلم أسنده الله تعالى إلى نون العظمة تفخيما لشأنه وأسند تلك الأشياء إلى الاسم الظاهر وضميره