تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٦ - الصفحة ٩٩
النفع إن أراد بكم نفعا، وهذا كلام جامع في الجواب فيه تعريض بغيرهم من المبطلين وبجلالة محل المحقين ثم ترقى سبحانه منه إلى ما يتضمن تهديدا بقوله تعالى: * (بل كان الله بما تعملون) * أي بكل ما تعملونه * (خبيرا) * فيعلم سبحانه تخلفكم وقصدكم فيه ويجازيكم على ذلك، ثم ختم جل وعلا بمكنون ضمائرهم ومخزون ما أعد لهم عنده تعالى بقوله سبحانه:
* (بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا وزين ذلك فى قلوبكم وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا) *.
* (بل ظننتم) * إلى قوله تعالى: * (بورا) * وفي الانتصاف أن في قوله تعالى: * (فمن يملك) * الخ لفا ونشرا والأصل فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا أو من يحرمكم النفع أن أراد بكم نفعا لأن من يملك يستعمل في الضر كقوله تعالى: * (فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح) * (المائدة: 17). * ( ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا) * (المائدة: 41). * (فلا تملكون لي من الله شيئا هو أعلم بما تفيضون فيه) * (الأحقاف: 8)، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام في بعض الحديث: " إني لا أملك لكم شيئا " يخاطب عشيرته وأمثاله كثير، وسر اختصاصه بدفع المضرة أن الملك مضاف في هذه المواضع باللام ودفع المضرة نفع يضاف للمدفوع عنه وليس كذلك حرمان المنفعة فإنه ضرر عائد عليه لا له فإذا ظهر ذلك فإنما انتظمت الآية على هذا الوجه كذلك لأن القسمين يشتركان في أن كل واحد منهما نفى لدفع المقدور من خير وشر فلما تقاربا أدرجا في عبارة واحدة؛ وخص عبارة دفع الضر لأنه هو المتوقع لهؤلاء إذ الآية في سياق التهديد والوعيد الشديد وهي نظير قوله تعالى: * (قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوأ أو أراد بكم رحمة) * (الأحزاب: 17) فإن العصمة إنما تكون من السوء لا من الرحمة، فهاتان الآيتان توأمتان في التقرير المذكور انتهى، والوجه ما ذكرناه أولا في الآية، وفي تسمية مثل هذا لفا ونشرا نظر، ثم إن الظاهر عموم الضر والنفع، وقال شيخ الإسلام أبو السعود: المراد بالضر ما يضر من هلاك الأهل والمال وضياعهما وبالنفع ما ينفع من حفظ المال والأهل وتعميمهما يرده قوله تعالى: * (بل كان الله بما تعملون خبيرا) * فإنه إضراب عما قالوه وبيان لكذبه بعد بيان فساده على تقدير صدقه انتهى، وهو كلام أو هي من بيت العنكبوت لأن في التعميم إفادة لما ذكر وزيادة تفيد قوة وبلاغة، والظاهر أن كلا من الإضرابات الثلاثة مقصودة، وقال شيخ الإسلام: إن قوله تعالى: * (بل ظننتم) * الخ بدل من * (كان الله) * الخ مفسر لما فيه من الإبهام. وفي " البحر " أنه بيان للعلة في تخلفهم أي بل ظننتم * (أن لن ينقلب) * أي لن يرجع من ذلك السفر * (الرسول والمؤمنون إلى أهليهم) * أي عشائرهم وذوي قرباهم * (أبدا) * بأن يستأصلهم المشركون بالمرة فحسبتم إن كنتم معهم أن يصيبكم ما يصيبهم فلأج ذلك تخلفتم لا لما ذكرتم من المعاذير الباطلة. والأهلون جمع أهل وجمعه جمع السلامة على خلاف القياس لأنه ليس بعلم ولا صفة من صفات من يعقل ويجمع على أهلات بملاحظة تاء التأنيث في مفرده تقديرا فيجمع كتمرة وتمرات ونحوه أرض وأرضات، وقد جاء على ما في " الكشاف " أهلة بالتاء ويجوز تحريك عينه أيضا فيقال: اهلات بفتح الهاء، وكذا يجمع على أهال كليال، وأطلق عليه الزمخشري اسم الجمع؛ وقيل: وهو إطلاق منه في الجمع الوارد على خلاف القياس وإلا فاسم الجمع شرطه عند النحاة أن يكون على وزن المفردات سواء كان له مفرد أم لا. وقرأ عبد الله * (إلى أهلهم) * بغير ياء، والآية ظاهرة في أن * (لن) * ليست للتأبيد ومن زعم إفادتها إياه جعل * (أبدا) * للتأكيد * (وزين) * أي حسن * (ذلك) * أي الظن المفهوم من ظننتم * (في قلوبكم) * فلم تسعوا في إزالته فتمكن فيكم فاشتغلتم بشأن أنفسكم غير مبالين بالرسول صلى الله
(٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 ... » »»