تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٦ - الصفحة ٩٦
عليه بما قرره الرضى وغيره من أنه يمتنع أن يخاطب في كلام واحد اثنان من غير عطف أو تثنية أو جمع لأنه بعد التنزيل لا تعدد، وجوز أن يكون ذلك لأنهم حينئذ غير مخاطبين في الحقيقة فخطابهم في حكم الغيبة، وقيل: الامتناع المذكور مشروط بأن يكون كل من المخاطبين مستقلا أما إذا كان أحدهما داخلا في خطاب الآخر فلا امتناع كما يعلم من تتبع كلامهم، وحينئذ يجوز أن يراد خطاب الأمة أيضا من غير تغليب، والكلام في ذلك طويل وما ذكر سابقا سالم عن القال والقيل * (وتعزروه) * أي تنصروه كما روي عن جابر بن عبد الله مرفوعا وأخرجه جماعة عن قتادة، والضمير لله عز وجل، ونصرته سبحانه بنصره دينه ورسوله صلى الله عليه وسلم * (وتوقروه) * أي تعظموه كما قال قتادة وغيره، والضمير له تعالى أيضا، وقيل: كلا الضميرين للرسول صلى الله عليه وسلم وروي عن ابن عباس، وزعم بعضهم أنه يتعين كون الضمير في * (تعزروه) * للرسول عليه الصلاة والسلام لتوهم أن التعزير لا يكون له سبحانه وتعالى كما يتعين عند الكل كون الضمير في قوله تعالى: * (وتسبحوه) * لله سبحانه وتعالى، ولا يخفى أن الأول كون المضيرين فيما تقدم لله تعالى أيضا لئلا يلزم فك الضمائر من غير ضرورة أي وتنزهوا الله تعالى أو تصلوا له سبحانه من السبحة * (بكرة وأصيلا) * غدوة وعشيا، والمراد ظاهرهما أو جميع النهار ويكنى عن جيمع الشيء بطرفيه كما يقال شرقا وغربا لجميع الدنيا، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما صلاة الفجر وصلاة الظهر وصلاة العصر، وقرأ أبو جعفر. وأبو حيوة. وابن كثير. وأبو عمرو الأفعال الأربعة - أعني لتؤمنوا وما بعده - بياء الغيبة، وعن ابن مسعود. وابن جبير كذلك إلا أنهما قرآ * (ويسبحوا الله) * بالاسم الجليل مكان الضمير، وقرى الجحدري * (تعزروه) * بفتح التاء الفوقية وضم الزاي مخففا، وفي رواية عنه فتح الاتء وكسر الزاي مخففا وروي هذا عن جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه، وقرىء بضم التاء وكسر الزاي مخففا، وقرأ ابن عباس. ومحمد بن اليماني * (تعززوه) * بزاءين من العزة أي تجعلوه عزيزا وذلك بالنسبة إليه سبحانه بجعل دينه ورسوله صلى الله عليه وسلم كذلك. وقرىء * (وتوقروه) * من أوقره بمعنى وقره.
* (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما ع‍اهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما) *.
* (إن الذين يبايعونك) * يوم الحديبية على الموت في نصرتك كما روي عن سلمة بن الأكوع وغيره أو على أن لا يفروا من قريش كما روي عن ابن عمر. وجابر رضي الله تعالى عنهم، وسيأتي الكلام في تفصيل ذلك إن شاء الله تعالى، والمبايعة وقعت قبل نزول الآية فالتعبير بالمضارع لاستحضار الحال الماضية، وهي مفاعلة من البيع يقال: بايع السلطان مبايعة إذا ضمن بذل الطاعة له بما رضخ له، وكثيرا ما تقال على البيعة المعروفة للسلاطين ونحوهم وإن لم يكن رضخ، وما وقع للمؤمنين قيل يشير إلى ما في قوله تعالى: * (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم) * الآية * (إنما يبايعون الله) * لأن المقصود من بيعة الرسول عليه الصلاة والسلام وإطاعته إطاعة الله تعالى وامتثال أوامره سبحانه لقوله تعالى: * (من يطع الرسول فقد أطاع الله) * (النساء: 80) فمبايعة الله تعالى بمعنى طاعته سبحانه مشاكلة أو هو صرف مجاز، وقرىء * (إنما يبايعون لله) * أي لأجل الله تعالى ولوجهه، والمفعول محذوف أي إنما يبايعونك لله * (يد الله فوق أيديهم) * استئناف مؤكد لما قبله لأنه عبارة عن المبايعة، قال في الكشاف لما قال سبحانه: * (إنما يبايعون الله) * أكده على طريقة التخييل فقال تعالى: * (يد الله فوق أيديهم) * وانه سبحانه منزه عن الجوارح وصفات الأجسام وإنما المعنى تقرير أن عقد الميثاق مع الرسول صلى الله عليه وسلم كعقده مع الله تعالى من غير تفاوت بينهما. وفي المفتاح أما حسن الاستعارة التخييلية فبحسب حسن الاستعارة بالكناية متى كانت
(٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 ... » »»