تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٦ - الصفحة ٩٢
وهو قلة الوجود وصعوبة المنال، والمعنى ينصرك الله نصرا يقل وجود مثله ويصعب مناله، وقد قال الراغب بهذا في قوله تعالى: * (وإنه لكتاب عزيز) * ورأيت ذلك للصدر بعد أن كتبته من الصدر فتأمل ولا تكن ذا عجز.
* (هو الذىأنزل السكينة فى قلوب المؤمنين ليزدادوا إيم‍انا مع إيم‍انهم ولله جنود السم‍اوات والارض وكان الله عليما حكيما) *.
* (هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين) * بيان لما أفاض سبحانه عليهم من مبادي الفتح، والمراد بالسكينة الطمأنينة والثبات من السكون أي أنزلها في قلوبهم بسبب الصلح والأمن إظهارا لفضله تعالى عليهم بتيسير الأمن بعد الخوف، والمراد بإنزالها خلقها وإيجادها، وفي التعبير عن ذلك بالإنزال إيماء إلى علو شأنها.
وقال الراغب: إنزال الله تعالى نعمته على عبدإعطاؤه تعالى إياها وذلك إما بإنزال الشيء نفسه كإنزال القرآن أو بإنزال أسبابه والهداية إليه كإنزال الحديد ونحوه، وقيل: * (أنزل) * من نزل في مكان كذا حط رحله فيه وأنزله غيره، فالمعنى حط السكينة في قلوبهم فكان قلوبهم منزلا لها ومأوى، وقيل: السكينة ملك يسكن قلب المؤمن ويؤمنه كما روي أن عليا رضي الله تعالى عنه وكرم وجهه قال: إن السكينة لتنطق على لسان عمر، وأمر الإنزال عليه ظهار جدا.
وأخرج ابن جرير. والبيهقي في الدلائل. وغيرهما عن ابن عباس أنه قال: السكينة هي الرحمة، وقيل: هي العقل ويقال له سكينة إذا سكن عن الميل إلى الشهوات وعن الرعب، وقيل: هي الوقار والعظمة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وقيل: هي من سكن إذا كذا مال إليه أي أنزل في قلوبهم السكون والميل إلى ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الشرائع، وأرجح التفاسير هنا على ما قال الخفاجي: الأول، وما ذكره بعضهم من أن السكينة شيء له رأس كرأس الهرة فما أراه قولا يصح * (ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم) * أي يقينا مع يقينهم برسوخ العقيدة واطمئنان النفوس عليها على أن الإيمان لما ثبت في الأزمنة نزل تجدد أزمانه منزلة نجدده وازدياده فاستعير له ذلك ورشح بكملة مع، وقيل: ازدياد الإيمان بازدياد ما يؤمن به، وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن أول ما أتاهم به النبي صلى الله عليه وسلم التوحيد ثم الصلاة والزكاة ثم الحج والجهاد فازدادوا إيمانا مع إيمانهم، ومن قال: الأعمال من الإيمان قال بأنه نفسه أي الإيمان المركب من ذلك وغيره يزيد وينقص ولم يحتج في الآية إلى تأويل بل جعلها دليلا له، وتفصيل الكلام في هذا المقام أنه ذهب جمهور الأشاعرة والقلانسي والفقهاء والمحدثون والمعتزلة إلى أن الإيمان يزيد وينقص ونقل ذلك عن الشافعي ومالك، وقال البخاري: لقيت أكثر من ألف رجل من العلماء بالأمصار فما رأيت أحدا منهم يختلف في أن الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص، واحتجوا على ذلك بالعقل والنقل، أما الأول فلأنه لو لم تتفاوت حقيقة الإيمان لكان إيمان آحاد الأمة المنهمكين في الفسق والمعاصي مساويا لإيمان الأنبياء عليهم السلام مثلا واللازم باطل فكذا الملزوم، وأما الثاني فلكثرة النصوص في هذا المعنى، مناه الآية المذكورة، ومنها ما روي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قلنا: يا رسول الله ان الإيمان يزيد وينقص قال: نعم يزيد حتى يدخل صاحبه الجنة وينقص حتى يدخل صاحبه النار، ومنها ما روي عن عمر. وجابر رضي الله تعالى عنهما مرفوعا " لو وزن إيمان أبي بكر يإيمان هذه الأمة لرجح به " واعترض بأن عدم قبول الإيمان الزيادة والنقص على تقدير كون الطاعات داخلة في مسماه أولى وأحق من عدم قبوله ذلك إذا كان مسماه التصديق وحده.
أما أولا فلأنه لا مرتبة فوق كل الأعمال لتكون زيادة ولا إيمان دونه ليكون نقصا، أوما ثانيا فلأن أحدا لا يستكمل
(٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 ... » »»