تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٦ - الصفحة ٣٨
وهذا يقتضي الاعتناء به ومنه جاء التأكيد، وأيا ما كان فقوله تعالى: * (من ربهم) * حال من ضمير * (الحق) * وقرأ زيد بن علي. وابن مقسم * (نزل) * مبنيا للفاعل، والأعمش * (أنزل) * معدى بالهمزة مبنيا للمفعول. وقرىء * (أنزل) * بالهمز مبنيا للفاعل * (ونزل) * بالتخفيف * (كفر عنهم سيآتهم) * أي سترها بالإيمان والعمل الصالح، والمراد إزالها ولم يؤاخذهم بها * (وأصلح بالهم) * أي حالهم في الدين والدنيا بالتوفيق والتأييد، وتفسير البال بالحال مروى عن قتادة وعنه تفسيره بالشأن وهو الحال أيضا أو ماله خطر، وعليه قول الراغب: الباب الحال التي يكترث بها، ولذلك يقال: ما باليت بكذا بالة أي ما اكترثت به، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: " كل أمر ذي بال " الحديث ويكون بمعنى الخاطر القلبي ويتجوز به عن القلب كما قال الشهاب. وفي البحر حقيقة البال الفكر والموضع الذي فيه نظر الإنسان وهو القلب ومن صلح قلبه صلحت حاله، فكأن اللفظ مشير إلى صلاح عقيدتهم وغير ذلك من الحال تابع له، وحكى عن السفاقسي تفسيره هنا بالفكر وكأنه لنحو ما أشير إليه، وهو كما في البحر أيضا مما لا يثني ولا يجمع وشذ قولهم في جمعه بالات.
* (ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الب‍اطل وأن الذين ءامنوا اتبعوا الحق من ربهم كذلك يضرب الله للناس أمث‍الهم) *.
* (ذالك) * إشارة إلى ما مر من الاضلال والتكفير والاصلاح وهو مبتدأ خبره قوله تعالى: * (بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل وأن الذين ءامنوا اتبعوا الحق من ربهم) * أي ذلك كائن بسبب اتباع الأولين الباطل واتباع الآخرين الحق؛ والمراد بالحق والباطل معناهما المشهور.
وأخرج ابن المنذر. وغيره عن مجاهد تفسير * (الباطل) * بالشيطان. وفي البحر. قال مجاهد: الباطل الشيطان وكل ما يأمر به و * (الحق) * هو الرسول والشرع، وقيل: الباطل ما لا ينتفع به، وجوز الزمخشري كون ذلك خبر مبتدأ محذوف و * (بأن) * الخ في محل نصب على الحال، والتقدير الأمر ذلك أي كما ذكر ملتبسا بهذا السبب.
والعامل في الحال أما معنى الإشارة وأما نحو أثبته وأحقه فإن الجملة تدل على ذلك لأنه مضمون كل خبر وتعقبه أبو حيان بأن فيه ارتكابا للحذف من غير داع له، والجار والمجرور أعني * (من ربهم) * في موضع الحال على كل حال، والكلام أعني قوله تعالى: * (ذلك بأن) * إلى قوله سبحانه: * (من ربهم) * تصريح بما أشعر به الكلام السابق من السببية لما فيه من البناء على الموصول، ويسميه علماء البيان التفسير، ونظيره ما أنشده الزمخشري لنفسه. به فجع الفرسان فوق خيولهم * كما فجعت تحت الستور العواتق تساقط من أيديهم البيض حيرة * وزعزع عن أجيادهن المخانق فإن فيه تفسيرا على طريق اللف والنشر كما في الآية وهو من محاسن الكلام * (كذالك) * أي مثل ذلك الضرب البديع * (يضرب الله) * أي يبين للنصاس) * أي لأجلهم * (أمثالهم) * أي أحوال الفريقين المؤمنين والكافرين وأوصافهما الجارية في الغرابة مجرى الأمثال، وهي اتباع المؤمنين الحق وفوزهم وفلاحهم، واتباع الكافرين الباطل وخيبتهم وخسرانهم، وجوز أن يراد بضرب الأمثال التمثيل والتشبيه بأن جعل سبحانه اتباع الباطل مثلا لعمل الكفار والاضلال مثلا لخيبتهم واتباع الحق مثلا لعمل المؤمنين وتكفير السيآت مثلا لفوزهم والإشارة بذلك لما تضمنه الكلام السابق، وجوز كون ضمير * (أمثالهم) * للناس؛ والفاء في قوله تعالى:
* (فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذآ أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فدآء حتى تضع الحرب أوزارها ذالك ولو يشآء الله لانتصر منهم ول‍اكن ليبلو بعضكم ببعض والذين قتلوا فى سبيل الله فلن يضل أعم‍الهم) *.
* (فإذا لقيتم الذين كفروا) * لترتيب ما في حيزها من الأمر على ما قبلها فإن ضلال أعمال الكفرة وخيبتهم
(٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 ... » »»