تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٦ - الصفحة ٣٤
والباء زائدة فيه، وحسن زيادتها كون ما قبلها في حيز النفي، وقد أجاز الزجاج ما ظننت أن أحدا بقائم قياسا على هذا، قال أبو حيان: والصحيح قصر ذلك على السماع فكأنه قيل هنا: أو ليس الله بقادر * (على أن يحيى الموتى) * ولذلك أجيب عنه بقوله تعالى: * (بلى إنه على كل شيء قدير) * تقريرا للقدرة على وجه عام يكون كالبرهان على المقصود، ولذا قيل: إن هذا مشير إلى كبرى لصغرى سهلة الحصول فكأنه قيل: إحياء الموتى شيء وكل شيء مقدور له فينتج إن أحياء الموتء مقدور له، ويلزمه أنه تعالى: * (قادر على أن يحيي الموتى) *.
وقرأ الجحدري. وزيد بن علي. وعمرو بن عبيد. وعيسى. والأعرج بخلاف عنه ويعقوب * (يقدر) * بدل * (بقادر) * بصيغة المضارع الدال على الاستمرار وهذه القراءة على ما قيل موافقة أيضا للرسم العثماني.
* (ويوم يعرض الذين كفروا على النار أليس ه‍اذا بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون) *.
* (ويوم يعرض الذين كفروا على النار) * ظرف عامله قول مضمر بقوله تعالى: * (أليس ه‍اذا بالحق) * أي ويقال: * (يوم يعرض) * الخ، والظاهر أن الجملة معترضة، وقيل: هي حال، والتقدير وقد قيل، وفيه نظر، وقد مر آنفا الكلام في العرض بطوله، والإشارة إلى ما يشاهدونه حين العرض من حيث هو من غير أن يخطر بالبال لفظ يدل عليه فضلا عن تذكيره وتأنيثه إذ هو اللائق بتهويله وتفخيمه، وقيل: هي إلى العذاب بقرينة التصريح به بعد، وفيه تهكم بهم وتوبيخ لهم على استهزائهم بوعد الله تعالى ووعيده، وقولهم: * (وما نحن بمعذبين) * (الشعراء: 138).
* (قالوا بلى وربنا) * تصديق بحقيته؛ وأكدوا بالقسم كأنهم يطمعون في الخلاص بالاعتراف بحقية ذلك كما في الدنيا وأني لهم. وعن الحسن أنهم ليعذبون في النار وهم راضون بذلك لأنفسهم يعترفون أنه العدل.
* (قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون) * بسبب استمراركم على الكفر في الدنيا، ومعنى الأمر الإهانة بهم فهو تهكم وتوبيخ وإلا لكان تحصيلا للحاصل، وقيل: هو أمر تكويني؛ والمراد إيجاب عذاب غير ما هم فيه وليس بذاك، والفاء في قوله تعالى:
* (فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الف‍اسقون) *.
* (فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل) * واقعة في جواب شرط مقدر أي إذا كان عاقبة أمر الكفرة ما ذكر فاصبر على ما يصيبك من جهتهم أو إذا كان الأمر على ما تحققته من قدرته تعالى الباهرة * (فاصبر) * وجوز غير واحد كونها عاطفة لهذه الجملة على ما تقدم، والسببية فيها ظاهرة واقتصر في البحر على كونها لعطف هذه الجملة على اخبار الكفار في الآخرة؛ وقال: المعنى بينهما مرتبط كأنه قيل: هذه حالهم فلا تستعجل أنت واصبر ولا تخف إلا الله عز وجل، والعزم يطلق على الجد والاجتهاد في الشيء وعلى الصبر عليه، * (من) * بيانية كما في * (فاجتنبوا الرجس من الأوثان) * (الحج: 30) والجار والمجرور في موضع الحال من * (الرسل) * فيكون أولوا العزم صفة جميعهم، وإليه ذهب ابن زيد. والجبائي. وجماعة أي * (فاصبر كما صبر) * الرسل المجدون المجتهدون في تبليغ الوحي الذين لا يصرفهم عنه صارف ولا يعطفهم عنه عاطف والصابرون على أمر الله تعالى فيما عهده سبحانه إليهم أو قضاه وقدره عز وجل عليهم بواسطة أو بدونها. وعن عطاء الخراساني. والحسن بن الفضل. والكلبي. ومقاتل. وقتادة. وأبي العالية. وابن جريج، وإليه ذهب أكثر المفسرين أن * (من) * للتبعيض فأولوا العزم بعض الرسل عليهم السلام، واختلف في عدتهم وتعيينهم على أقوال، فقال الحسن بن الفضل: ثمانية عشر وهم المذكورون في سورة (الأنعام: 90) لأنه سبحانه قال بعد ذكرهم: * (فبهداهم اقتده) * وقيل: تسعة نوح عليه السلام صبر على أذى قومه طويلا. وإبراهيم عليه السلام صبر على الإلقاء في النار. والذبيح عليه السلام صبر على ما أريد
(٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 ... » »»