ما يفترون من الإفك أي بعض أكاذيبهم المفتريات فالافك بمعنى الاختلاق فلا تغفل.
* (وإذ صرفنآ إليك نفرا من الجن يستمعون القرءان فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضى ولوا إلى قومهم منذرين) *.
* (وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن) * أي أملناهم إليك ووجهناهم لك، والنفر على المشهور ما بين الثلاثة والعشرة من الرجال لأنه من النفير والرجال هم الذين إذ حزبهم أمر نفروا لكفايته، والحق أن هذا باعتبار الأغلب فإنه يطلق على ما فوق العشرة في الفصيح، وقد ذكر ذلك جمع من أهل اللغة، وفي المجمل الرهط والنفر يستعمل إلى الأربعين، وفي كلام الشعبي حدثني بضعة عشر نفرا، وسيأتي إن شاء الله تعالى تفسيره هنا بما زاد على العشرة ولا يختص بالرجال، والأخذ من النفير لا يدل على الاختصاص بهم بل ولا بالناس لإطلاقه على الجن هنا.
والجار والمجرور صفة * (نفرا) * وقوله تعالى: * (يستمعون القرآن) * حال مقدرة منه لتخصصه بالصفة أو صفة له أخرى وضمير الجمع لأنه اسم جمع فهو في المعنى جمع، ولذا قرىء. * (صرفنا) * بالتشديد للتكثير، و * (إذ) * معمولة لمقدر لا عطف على * (أخا عاد) * أي واذكر لقومك وقت صرفنا إليك نفرا من الجن مقدرا استماعهم القرآن لعلهم يتنبهون لجهلهم وغلطهم وقبح ما هم عليه من الكفر بالقرآن والإعراض عنه حيث أنهم كفروا به وجهلوا أنه من عند الله تعالى وهم أهل اللسان الذي نزل به ومن جنس الرسول الذي جاء به وأولئك استمعوه وعلموا أنه من عنده تعالى وآمنوا به وليسوا من أهل لسانه ولا من جنس رسوله ففي ذكر هذه القصة توبيخ لكفار قريش والعرب، ووقعوعها إثر قصة هود وقومه وإهلاك من أهلك من أهل القرى لأن أولئك كانوا ذوي شدة وقوة كما حكى عنهم في غير آية والجن توصف بذلك أيضا كما قال تعالى: * (قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين) * (النمل: 39) ووصفهم بذلك معروف بين العرب فناسبت ما قبلها لذلك مع ما قيل إن قصة عاد متضمنة ذكر الريح وهذه متضمنة ذكر الجن وكلاهما من العالم الذي لا يشاهد، وسيأتي الكلام في حقيقتهم.
* (فلما حضروه) * أي القرآن عند تلاوته، وهو الظاهر وإن كان فيه تجوز، وقيل: الرسول صلى الله عليه وسلم عند تلاوته له ففيه التفات * (قالوا) * أي قال بعضهم لبعض * (أنصتوا) * اسكتوا لنسمعه، وفيه تأدب مع العلم وكيف يتعلم * (فلما قضى) * أتم وفرغ عن تلاوته. وقرأ أبو مجلز. وحبيب بن عبد الله * (قضى) * بالبناء للفاعل وهو ضمير الرسول صلى الله عليه وسلم، وأيد بذلك عود ضمير * (حضروه) * إليه عليه الصلاة والسلام.
* (ولوا إلى قومهم منذرين) * مقدرين إنذارهم عند وصولهم إليهم، قيل: أنهم تفرقوا في البلاد فأنذروا من رأوه من الجن، وكان هؤلاء كما جاء في عدة روايات من جن نصيبين وهي من ديار بكر قريبة من الشام، وقيل: من نينوى وهي أيضا من ديار بكر لكنها قريبة من الموصل، وذكر أنهم كانوا من الشيصبان وهم أكثر الجن عددا وعامة جنود إبليس منهم، وكان الحضور بوادي نخلة على نحو ليلة مكة المكرمة. فقد أخرج أحمد وعبد بن حميد. والشيخان. والترمذي. والنسائي. وجماعة عن ابن عباس قال: انطلق النبي صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه إلى سوق عكاظ وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء وأرسلت عليهم الشهب فرجعت الشياطين إلى قومهم فقالوا ما لكم؟ فقالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء وأرسلت علينا الشهب قالوا ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا شيء حدث فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها فانظروا ما هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء فانصرف أولئك الذين توجهوا نحو تهامة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو أصحابه بنخلة عامدين إلى سوق عكاظ وهو عليه الصلاة والسلام يصلي بأصحابه صلاة الفجر فلما سمعوا القرآن استمعوا