تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٦ - الصفحة ٢٨
الجواب والتقدير إن مكناكم فيه طغيتم، وقيل: إنها صلة بعدما الموصولة تشبيها بما النافية وما التوقيتية، فهي في الآية مثلها في قوله: يرجى المرىء ما أن لا يراه * وتعرض دون أدناه الخطوب أي مكناهم في مثل الذي مكناكم فيه، وكونها نافية هو الوجه لأن القرآن العظيم يدل عليه في مواضع وهو أبلغ في التوبيخ وأدخل في الحث على الاعتبار * (وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة) * ليستعملوها فيما خلقت له ويعرفوا بكل منها ما نيطت به معرفته من فنون النعم ويستدلوا بها على شؤون منعمها عز وجل ويداوموا على شكره جل شأنه * (فما أغنى عنهم سمعهم) * حيث لم يستعملوه في استماع الوحي ومواعظ الرسل * (ولا أبصارهم) * حيث لم يجتلوا بها الآيات التكوينية المرسومة في صحائف العالم * (ولا أفئدتهم) * حيث لم يستعملوها في معرفة الله تعالى * (من شيء) * أي شيئا من الإغناء، و * (من) * مزيدة للتوكيد والتنوين للتقليل.
وجوز أن تكون تبعيضية أي ما أغنى بعض الإغناء وهو القليل، و * (ما) * في * (ما أغنى) * نافية وجوز كونها استفهامية. وتعقبه أبو حيان بأنه يلزم عليه زيادة * (من) * في الواجب وهو لا يجوز على الصحيح. ورد بأنهم قالوا: تزاد في غير الموجب وفسروه بالنفي والنهي والاستفهام، وإفراد السمع في النظم الجليل وجمع غيره لاتحاد المدرك به وهو الأصوات وتعدد مدركات غيره أو لأنه في الأصل مصدر، وأيضا مسموعهم من الرسل متحد.
* (إذ كانوا يجحدون بآيات الله) * ظرف متعلق بالنفي الصريح أو الضمني في قوله تعالى: * (ما أغنى) * وهو ظرف أريد به التعليل كناية أو مجازا لاستواء مئدى الظرف والتعليل في قولك: ضربته لإساءته وضربته إذ أساء لأنك إنما ضربته في ذلك الوقت لوجود الإساءة فيه، وهذا مما غلب في إذ وحيث من بين سائر الظروف حتى كاد يلحق بمعانيهما الوضعية * (وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون) * من العذاب الذي كانوا يستعجلونه بطريق الاستهزاء ويقولون: * (فأتنا بما تعدنا إن كنا من الصادقين) * (الأعراف: 70).
* (ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى وصرفنا الاي‍ات لعلهم يرجعون) *.
* (ولقد أهلكنا) * ما حولكم يا أهل مكة * (من القرى) * كحجر ثمود وقرى قوم صالح، والكلام بتقدير مضاف أو تجوز بالقرى عن أهلها لقوله تعالى: * (وصرفنا الآيات) * أي كررناها * (لعلهم يرجعون) * وأمر * (ما) * سهل، والترجي مصروف لغيره تعالى أو * (لعل) * للتعليل أي لكي يرجعوا عما هم فيه من الكفر والمعاصي إلى الايمان والطاعة.
* (فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا ءالهة بل ضلوا عنهم وذلك إفكهم وما كانوا يفترون) *.
* (فلولا نصرهم) * فهلا منعهم من الهلاك الذي وقعوا فيه * (الذين اتخذوا) * أي آلهتهم الذين اتخذوهم.
* (من دون الله قربانا آلهة) * والضمير الذي قدرناه عائدا هو المفعول الأول - لاتخذوا - و * (آلهة) * هو المفعول الثاني و * (قربانا) * بمعنى متقربا بها حال أي اتخذوهم آلهة من دون الله حال كونها متقربا بها إلى الله عز وجل حيث كانوا يقولون: * (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) * (الزمر: 3) و * (هؤلاء شفعاؤنا عند الله) * (يونس: 18) وفي الكلام تهكم بهم.
وأجاز الحوفي كون * (قربانا) * مفعولا من أجله، وأجاز هو أيضا. وابن عطية. ومكي. وأبو البقاء كونه المفعول الثاني - لاتخذوا - وجعل * (آلهة) * بدلا منه ، وقال في " الكشاف ": لا يصح ذلك لفساد المعنى، ونقل عنه في بيانه أنه لا يصح أن يقال: تقربوا بها من دون الله لأن الله تعالى لا يتقرب به، وأراد كما في " الكشف "
(٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 ... » »»