ثانيا: قوله سبحانه لإبليس: * (لأملأن) * الخ. ثالثها: الإيعاد مطلقا. رابعها: القول السابق يوم خلق العباد هذا سعيد وهذا شقي. وعلى الثاني في معنى الآية وجوه أيضا. أحدها: لا يكذب لدى فإني عالم علمت من طغى ومن أطغى فلا يفيد قولكم أطغاني شيطاني وقول الشيطان: * (ربنا ما أطغيته) * (ق: 27) ثانيها: لو أردتم أن لا أقول: * (فألقياه) * كنتم أبدلتم الكفر بالايمان قبل أن تقفوا بين يدي وأما الآن فما يبدل القول لدى. ثالثها: لا يبدل القول الكفر الإيمان لدى فإن الايمان عند اليأس غير مقبول فقولكم: ربنا وإلهنا لا يفيدكم فمن تكلم بكلمة الكفر لا يفيده قوله: ربنا ما أشركنا وقوله: ربنا آمنا. والمشهور أن * (لدي) * متعلق بالفعل على أنا المراد بالقول ما يشمل الوعد والوعيد.
واستدل به بعض من قال بعدم جواز تخلفهما مطلقا. وأجاب من قال بجواز العفو عن بعض المذنبين بأن ذلك العفو ليس بتبديل فإن دلائل العفو تدل على تخصيص الوعي، د وقال بعض المحققين: المراد نفي أن يوقع أحد التبديل لديه تعالى أي في علمه سبحانه أو يبدل القول الذي علمه عز وجل، فإن ما عنده تبارك وتعالى هو ما في نفس الأمر وهو لا يقبل التبديل أصلا، وأكثر الوعيدات معلقة بشرط المشيئة على ما يقتضيه الكرم وإن لم يذكر على ما يقتضيه الترهيب، فمتى حصل العفو لعدم مشيئة التعذيب لم يكن هناك تبديل ما في نفس الأمر فتدبره فإنه دقيق. * (وما أنا بظلام للعبيد) * وارد لتحقيق الحق على أبلغ وجه، وفيه إشارة إلى أن تعذيب من يعذب من العبيد إنما هو عن استحقاق في نفس الأمر، وقد تقدم تمام الكلام في هذه الجملة فتذكر.
* (يوم نقول لجهنم هل امتلات وتقول هل من مزيد) *.
* (يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد) * أي اذكر أو أندر يوم الخ - فيوم - مفعول به لمقدر، وقيل: هو ظرف - لظلام -، وقال الزمخشري: يجوز أن ينتصب - بنفخ - كأنه قيل: ونفخ في الصور يوم، وعليه يشار بذلك إلى * (يوم نقول) * لأن الإشارة إلى ما بعد جائزة لا سيما إذا كانت رتبته التقديم فكأنه قيل: ذلك اليوم أي يوم القول يوم الوعيد، ولا يحتاج إلى حذف على ما مر في الوجه الذي أشير به إلى النفخ.
وهذا الوجه كما قال في " الكشف ": فيه بعد لبعده عن العامل وتخلل ما لا يصلح اعتراضا على أن زمان النفخ ليس يوم القول إلا على سبيل فرضه ممتدا واقعا ذلك في جزء منه وهذا في جزء وكل خلاف الظاهر فكيف إذا اجتمعت.
وقال أبو حيان: هو بعيد جدا قد فصل عليه بين العامل والمعمول بجمل كثيرة فلا يناسب فصاحة القرآن الكريم وبلاغته، والظاهر إبقاء السؤال والجواب على حقيقتهما، وكذا في نظير ذلك من اتكاء النار والإذن لها بنفسين وتحاج النار والجنة، ونحن متعبدون باعتقاد الظاهر ما لم لا يمنع مانع ولا مانع ههنا، فإن القدرة صالحة والعقل مجوز والظواهر قاضية بوقوع ماجوزه العقل، وأمور الآخرة لا ينبغي أن تقاس على أمور الدنيا.
وقال الرماني: الكلام على حذف مضاف أي نقول لخزنة جهنم، وليس بشي.
وقال غير واحد؛ هو من باب التمثيل والمعنى أنها مع اتساعها وتباعد أقطارها نطرح فيها من الجنة والناس فوجا بعد فوج حتى تمتلىء ولا تقبل الزيادة، فالاستفهام للإنكار أي لا مزيد على امتلائها وروى هذا عن ابن عباس. ومجاهد. والحسن، وجوز في نفي الزيادة أن يكون على ظاهره وأن يكون كناية أو مجازا عن الاستكثار، وقيل: المعنى أنها من السعة بحيث يدخلها من يدخلها وفيها فراغ وخلو، فالاستفهام للتقرير أي فيها موضع للمزيد لسعتها، وجوز أن يكون ذلك كناية عن شدة غيظها على العصاة كأنها طالبة لزيادتهم.
واستشكل دعوى أن فيها فراغا بأنه مناف لصريح قوله تعالى: * (لأملأن جهنم) * الآية. وأجيب بأنه