تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٦ - الصفحة ١٨٥
أي شيطانه المقيض له في الدنيا كما قال مجاهد، وفي الحديث " ما من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن قالوا: ولا أنت يا رسول الله قال: ولا أنا إلا أن الله تعالى أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير ". * (ه‍اذا ما لدي عتيد) * إشارة إلى الشخص الكافر نفسه أي هذا ما عندي وفي ملكتي عتيد لجهنم قد هيأته لها بإغوائي وإضلالي، ولا ينافي هذا ما حكاه سبحانه عن القرين في قوله تعالى الآتي: * (وقال قرينه ربنا ما أطغيته) * (ق: 27) لأن هذا نظير قول الشيطان: * (ولأضلنهم) * (النساء: 119) وقوله: * (ووعدتكم فأخلفتكم) * (إبراهيم: 22) وذاك نظير قوله: * (وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم) * (إبراهيم: 22).
وقال قتادة. وابن زيد: قرينه الملك الموكل بسوقه يقول مشيرا إليه: هذا ما لدى حاضر، وقال الحسن: هو كاتب سيئاته يقول مشيرا إلى ما في صحيفته أي هذا مكتوب عندي عتيد مهيأ للعرض، وقيل: قرينه هنا عمله قلبا وجوارح وليس بشيء، و * (ما) * نكرة موصوفة بالظرف وبعتيد أوموصولة والظرف صلتها و * (عتيد) * خبر بعد خبر لاسم الإشارة أو خبر لمبتدأ محذوف، وجوز أن يكون بدلا من * (ما) * بناء على أنه يجوز إبدال النكرة من المعرفة وإن لم توصف إذا حصلت الفائدة بإبدالها، وأما تقديره بشيء عتيد على أن البدل هو الموصوف المحذوف الذي قامت صفته مقامه أو إن * (ما) * الموصولة لإبهامها أشبهت النكرة فجاز إبدالها منها فقيل عليه إنه ضعيف لما يلزم الأول من حذف البدل وقد أباه النحاة، والثاني لا يقول به من يشترط النعت فهو صلح من غير تراضي الخصمين. وقرأ عبد الله * (عتيدا) * بالنصب على الحال.
* (ألقيا فى جهنم كل كفار عنيد) *.
* (ألقيا في جهنم كل كفار) * خطاب من الله تعالى للسائل والشهيد بناء على أنهما اثنان لا واحد جامع للوصفين أو للملكين من خزنة النار أو لواحد على أن الألف بدل من نون التوكيد على إجراء الوصل مجرى الوقف، وأيد بقراءة الحسن * (القين) * بنون التوكيد الخفيفة، وقيل: إن العرب كثيرا ما يرافق الرجل منهم اثنين فكثر على ألسنتهم أن يقولوا خليلي وصاحبي وقفا واسعدا حتى خاطبوا الواحد خطاب الإثنين، وما في الآية محمول على ذلك كما حكى عن الفراء أو على تنزيل تثنية الفاعل منزلة تثنية الفعل بأن يكون أصله ألق ألق ثم حذف الفعل الثاني وأبقى ضميره مع الفعل الأول فثنى الضمير للدلالة على ما ذكر كما في قوله: فإن تزجراني يا ابن عفان أنزجر * وإن تدعاني أحم عرضا ممنعا وحكى ذلك عن المازني. والمبرد ولا يخفى بعده، ولينظر هل هو حقيقة أو مجاز والأظهر أنه خطاب لإثنين وهو المروي عن مجاهد. وجماعة، وأيا كان فالكلام على تقدير القول كما مر، والإلقاء طرح الشيء حيث تلقاه أي تراه ثم صار في التعارف اسما لكل طرح أي اطرحا في جهنم كل مبالغ في الكفر للمنعم والنعمة * (عنيد) * مبالغ في العناد وترك الانقياد للحق، وقريب منه قول الحسن: جاحد متمرد، وقال قتادة. أي منحرف عن الطاعة يقال: عند عن الطريق عدل عنه، وقال السدي: المشاق من العند وهو عظم يعرض في الحلق، وقال ابن بحر: المعجب بما عنده.
* (من‍اع للخير معتد مريب) *.
* (مناع للخير) * مبالغ في المنع للمال عن حقوقه المفروضة، قال قتادة. ومجاهد. وعكرمة: يعني الزكاة، وقيل: المراد بالخير الإسلام فإن الآية نزلت في الوليد بن المغيرة كان يقول لبني أخيه: من دخل منكم في الإسلام لم أنفعه بشيء ما عشت، والمبالغة باعتبار كثرة بني أخره أو باعتبار تكرر منعه لهم.
وضعف بأنه لو كان المراد ذلك كان مقتضى الظاهر مناع عن الخير، وفي " البحر " الأحسن عموم الخير في المال
(١٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 180 181 182 183 184 185 186 187 188 189 190 ... » »»