تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٦ - الصفحة ١٨٣
هو للبر والفاجر، وكأن هذه المخالفة لنحو ما سمعت عن الطيبي. وفي بعض الآثار ما يؤيد القول بالعموم أخرج ابن سعد عن عروة قال: لما مات الوليد بكت أم سلمة فقالت: يا عين فأبكي للوليد بن الوليد بن المغيرة * كان الوليد بن الوليد أبو الوليد فتى العشيرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقولي هكذا يا أم سلمة ولكن قولي: * (وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد) * (ق: 19) وأخرج أحمد. وابن جرير عن عبد الله مولى الزبير بن العوام قال: لما حضر أبو بكر الوفاة تمثلت عائشة بهذا البيت. أعاذل ما يغني الحذار عن الفتى * إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر فقال أبو بكر: ليس كذلك يا بنية ولكن قولي: * (وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد) * وفي رواية لابن المنذر. وأبي عبيد أنها قالت: وأبيض يستسقي الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للأرامل فقال رضي الله تعالى عنه: بل جاءت سكرة الموت الخ إذ التمثل بالآية على تقدير العموم أوفق بالحال كما لا يخفى.
* (ونفخ فى الصور ذلك يوم الوعيد) *.
* (ونفخ في الصور) * أي نفخة البعث * (ذالك) * إشارة إلى النفخ المفهوم من * (نفخ) * والكلام على حذف مضاف أي وقت ذلك النفخ * (يوم الوعيد) * أي يوم انجاز الوعيد الوقاع في الدنيا أو يوم وقوع الوعيد على أنه عبارة عن العذاب الموعود، وجوز أن تكون الإشارة إلى الزمان المفهوم من * (نفخ) * فإن الفعل كما يدل على الحدث يدل على الزمان، وعليه لا حاجة إلى تقدير شيء، لكن قيل عليه: إن الإشارة إلى زمان الفعل مما لا نظير له، وتخصيص الوعيد بالذكر على تقدير كون الخطاب للإنسان مطلقا مع أنه يوم الوعد أيضا بالنسبة إليه للتهويل.
* (وجآءت كل نفس معها سآئق وشهيد) *.
* (وجاءت كل نفس) * من النفوس البرة والفاجرة كما هو الظاهر * (معها سائق وشهيد) * وإن اختلفت كيفية السوق والشهادة حسب اختلاف النفوس عملا أي معها ملكان أحدهما يسوقها إلى المحشر والآخر يشهد بعملها، وروى ذلك عن عثمان رضي الله تعالى عنه وغيره، وفي حديث أخرجه أبو نعيم في الحلية عن جابر مرفوعا تصريح بأن ملك الحسنات وملك السيئات أحدهما سائق والآخر شهيد، وعن أبي هريرة السائق ملك الموت والشهيد النبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية أخرى عنه السائق ملك والشهيد العمل وكلاهما كما ترى، وقيل: الشهيد الكتاب الذي يلقاه منشورا، وعن ابن عباس. والضحاك السائق ملك والشهيد جوارح الإنسان، وتعقبه ابن عطية بقوله: وهذا بعيد عن ابن عباس لأن الجوارح إنما تشهد بالمعاصي، وقوله تعالى: * (كل نفس) * يعم الصالحين، وقيل: السائق والشهيد ملك واحد والعطف لمغايرة الوصفين أي معها ملك يسوقها ويشهد عليها، وقيل: السائق نفس الجائي والشهيد جوارحه. وتعقب بأن المعية تأباه والتجريد بعيد، وفيه أيضا ما تقدم آنفا عن ابن عطية، وقال أبو مسلم: السائق شيطان كان في الدنيا مع الشخص وهو قول ضعيف، وقال أبو حيان: الظاهر أن * (سائق وشهيد) * اسما جنس فالسائق ملائكة موكلون بذلك والشهيد الحفظة وكل من يشهد، ثم ذكر أنه يشهد بالخير الملائكة والبقاع، وفي الحديث " لا يسمع مدى صوت المؤذن إنس ولا جن ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة "؛ و * (معها) * صفة * (نفس) * أو * (كل) * وما بعده
(١٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 178 179 180 181 182 183 184 185 186 187 188 ... » »»