تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٦ - الصفحة ١٨٩
عن قدرتنا وإن يكون حالا من الجنة قصد به التوكيد كما تقول: عزيز غير ذليل لأن العزة تنافي الذل ونفي مضاد الشيء تأكيد إثباته، وفيه دفع توهم أن ثم تجوزا أو شوبا من الضد ولم يقل: غير بعيدة عليه قيل: لتأويل الجنة بالبستان، وقيل: لأن البعيد على زنة المصدر الذي من شأنه أن يستوي فيه المؤنث والمذكر كالزئير والصليل فعومل معاملته وأجرى مجراه، وقيل: لأن فعيلا بمعنى فاعل قد يجري مجرى فعيل بمعنى مفعول فيستوي فيه الأمران، وللإمام في تقريب الجنة أوجه. منها طي المسافة التي بينها وبين المتقين مع بقاء كل في مكانه وعدم انتقاله عنه ولكرامة المتقين قيل: * (أزلفت الجنة للمتقين) * دون وأزلف المتقون للجنة، ومنها أن المراد تقريب حصولها والدخول فيها دون التقريب المكاني، وفيه ما فيه، ومنها أن التقريب على ظاهره والله عز وجل قادر على نقل الجنة من السماء إلى الأرض أي إلى جهة السفل أو الأرض المعروفة بعد مدها، وقول بعض: إن المرا إظهارها قريبة منها على نحو إظهارها للنبي صلى الله عليه وسلم في عرض حائط مسجده الشريف على ما فيه منزع صوفي.
* (ه‍اذا ما توعدون لكل أواب حفيظ) *.
* (هذا ما توعدون) * إشارة إلى الجنة، والتذكير لما أن المشار إليه هو المسمى من غير قصد لفظ يدل عليه فضلا عن تذكيره وتأنيثه فإنهما من أحكام اللفظ العربي كما في قوله تعالى: * (فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي) * (الأنعام: 78) وقوله سحبانه: * (ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله) * (الأحزاب: 22)؛ ويجوز أن يكون ذلك لتذكير الخبر، وقيل: هو إشارة إلى الثواب. وقيل: إلى مصدر * (أزلفت) * والجملة بتقدير قول وقع حالا من المتقين أو من الجنة والعامل أزلفت أي مقولا لهم أو مقولا في حقها هذا ما توعدون، أو اعتراض بين المبدل منه أعني * (للمتقين) * والبدل أعني الجار والمجرور وفيه بعد.
وصيغة المضارع لاستحضار الصورة الماضية، وقرأ ابن كثير. وأبو عمرو * (يوعدون) * بياء الغيبة، والجملة على هذه القراءة قيل: اعتراض أوحال من الجنة؛ وقال أبو حيان: هي اعتراض، والمراد هذا القول هو الذي وقع الوعد به وهو كما ترى، وقوله تعالى: * (لكل أواب) * أي رجاع إلى الله تعالى بدل من المتقين بإعادة الجار أومن * (للمتقين) * على أن يكون الجار والمجرور بدلا من الجار والمجرور * (حفيظ) * حفظ ذنوبه حتى رجع عنها كما روى عن ابن عباس. وسعيد بن سنان، وقريب مه ما أخرج سعيد بن منصور. وابن أبي شيبة. وابن المنذر عن يونس بن خباب قال: قال لي مجاهد: ألا أنبئك بالأواب الحفيظ؟ هو الرجل يذكر ذنبه إذا خلا فيستغفر الله تعالى.
وأخرج عبد بن حميد. وابن جرير. وابن المنذر عن قتادة قال: أي حفيظ لما استودعه الله تعالى من حقه ونعمته. وأهرج ابن أبي شيبة. وابن المنذر عن عبيد بن عمير كنا نعد الأواب الحفيظ الذي يكون في المجلس فإذا أراد أن يقوم قال: اللهم اغفر لي ما أصبت في مجلسي هذا. وقيل: هو الحافظ لتوبته من النقض ولا ينافيه صيغة * (أواب) * كما لا يخفى. وقوله تعالى شأنه:
* (من خشى الرحم‍ان بالغيب وجآء بقلب منيب) *.
* (من خشي الرحم‍ان بالغيب وجاء بقلب منيب) * بدل من كل المبدل من المتقين أو بدل ثان من المتقين بناء على جواز تعدد البدل والمبدل منه واحد. وقول أبي حيان: تكرر البدل والمبدل منه واحد لا يجوز في غير بدل البداء، وسره أنه في نية الطرح فلا يبدل منه مرة أخرى غير مسلم، وقد جوزه ابن الحاجب في أماليه، ونقله الدماميني في أول شرحه للخزرجية وأطال فيه، وكون المبدل منه في نية الطرح ليس على ظاهره، أو بدل من موصوف * (أواب) * أي لكل شخص أواب بناء على جواز
(١٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 184 185 186 187 188 189 190 191 192 193 194 ... » »»