أهلكنا قبل قومك * (من قرن) * قوما مقترنين في زمن واحد * (هم منهم بطشا) * أي قوة كما قيل أو أخذا شديدا في كل شيء كعاد وقوم فرعون * (فنقبوا في البلاد) * ساروا في الأرض وطوفوا فيها حذار الموت، فاتنقيب السير وقطع المسافة كما ذكره الراغب. وغيره، وأنشدوا للحرث بن حلزة: نقبوا في البلاد من حذر المو * ت وجالوا في الأرض كل مجال ولامرىء القيس: وقد نقبت في الآفاق حتى * رضيت من الغنيمة بالإياب وروى وقد طوفت، وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن ذلك فقال: هو هربوا بلغة اليمن، وأنشد له بيت الحرث المذكور لكنه نسبه لهدى بن زيد، وفسر التنقيب في البلاد بالتصرف فيها بملكها ونحوه، وشاع التنقيب في العرف بمعنى التنقير عن الشيء والبحث عن أحواله، ومنه قوله تعالى: * (وبعثنا منهم اثني عشر نقبيا) * (المائدة: 12) وأما قولهم: كلب نقيب فهو بمعنى منصوب أي نقبت غلصمته ليضعف صوته، والفاء على تفسير التنقيب بالسير ونحوه المروي عن ابن عباس لمجرد التعقيب، وعلى تفسيره بالتصرف للسببية لأن تصرفهم في البلاد مسبب عن اشتداد بطشهم، وهي على الوجهين عاطفة على معنى ما قبلها كأنه قيل: اشتد بطشهم فنقبوا وقيل: هي على ما تقدم أيضا للسببية والعطف على * (أهلكنا) * على أن المراد أخذنا في إعلاكهم فنقبوا في البلاد * (هل من محيص) * على إضمار قول هو حال من واو * (نقبوا) * أي قائلين هل لنا مخلص من الله تعالى أو من الموت؟ أو على إجراء التنقيب لما فيه من معنى التتبع والتفتيش مجرى القوى على ما قيل أو هو كلام مستأنف لنفي أن يكون لهم محيص أي هل لهم مخلص من الله عز وجل أو من الموت، وقيل: ضمير * (نقبوا) * لأهل مكة أي ساروا في مسايرهم وأسفارهم في بلاد القرون المهلكة فهل رأوا لهم محيصا حتى يؤملوا مثله لأنفسهم.
وأيد بقراءة ابن عباس. وابن يعمر. وأبي العالية. ونصر بن سيار. وأبي حيوة. والأصمعي عن أبي عمرو * (فنقبوا) * على صيغة الأمر لأن الأمر للحاضر وقت النزول من الكفار وهم أهل مكة لا غير والأصل توافق القرائتين، وفيه على هذه القراءة التفات من الغيبة إلى الخطاب. وقرأ ابن عباس أيضا. وعبيد عن أبي عمرو * (فنقبوا) * بفتح القاف مخففة، والمعنى كما في المشددة، وقرىء بكسر القاف خفيفة من النقب محركا، وهو أن ينتقب خف البعير ويرق من كثرة السير، قال الراجز: اقسم بالله أبو حفص عمر * ما مسها من نقب ولا دبر والكلام بتقدير مضاف أي نقبت أقدامهم، ونقب الأقدام كناية مشهورة عن كثرة السير فيؤل المعنى إلى أنهم أكثروا السير في البلاد أونقبت أخفاف مراكبهم والمراد كثرة السير أيضا، وقد يستغني عن التقدير بجعل الإسناد مجازيا.
* (إن فى ذالك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد) *.
* (إن في ذالك) * أي الإهلاك أو ما ذكر في السورة * (لذكرى) * لتذكرة وعظة * (لمن كان له قلب) * أي قلب واع يدرك الحقائق فإن الذي لا يعي ولا يفهم بمنزلة العدم، وفي " الكشف " * (لمن كان) * الخ تمثيل * (أو ألقى السمع) * أي أصغي إلى ما يتلى عليه من الوحي * (وهو شهيد) * أي حاضر على أنه من الشهود بمعنى الحضور، والمراد به المتفطن لأن غير المتفطن منزلة منزلة الغائب فهو إما