وفيه مجاري الروح، وقال في الآية: أي نحن أقرب إليه من روحه، وحكى ذلك عن بعضهم.
* (إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد) *.
* (إذ يتلقى المتلقيان) * هما الملكان الموكلان بكل إنسان يكتبان أعماله؛ والتلقى التلقن بالحفظ والكتبة، و * (إذ) * قيل: ظرف - لأقرب - وأفعل التفضيل يعمل في الظروف لأنه يكفيها رائحة الفعل وإن لم يكن عاملا في غيرها فاعلا أو مفعولا به أي هو سبحانه أعلم بحال الإنسان من كل قريب حين يتلقى المتلقيان الحفيظان ما يتلفظ به، وفيه إيذان بأنه عز وجل غني عن استحفاظ الملكين فإنه تعالى شأنه أعلم منهما ومطلع على ما يخفى عليهما لكن الحكمة اقتضته، وهو ما في كتبة الملكين وحفظهما وعرض صحائفهما يوم يقوم الاشهاد، وعلم العبد بذلك مع عرمه بإحاطة الله تعالى بعمله من زيادة لطف في الانتهاء عن السيئات والرغبة في الحسنات، وجوز أن تكون * (إذ) * لتعليل القرب، وفيه أن تعليل قربه عز وجل العلمي بإطلاع الحفظة الكتبة بعيد، واختار بعضهم كونها مفعولا به لا ذكر مقدرا لبقاء الأقربية على إطلاقها ولأن أفعل التفضيل ضعيف في العمل وإن كان لا مانع من عمله في الظرف؛ والكلام مسوق لتقرير قدرته عز وجل وإحاطة علمه سبحانه وتعالى فتأمل * (عن اليمين وعن الشمال قعيد) * أي عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد فحذف من الأول لدلالة الثاني عليه، ومنه قوله: رماني بأمر كنت منه ووالدي * بريئا ومن أجل الطوى رماني وقال المبرد: إن التقدير عن اليمين قعيد وعن الشمال فأخر قعيد عن موضعه، والقعيد عليهما فعيل بمعنى مفاعل كجليس بمعنى مجالس ونديم بمعنى منادم، وذهب الفراء إلى أن قعيدا يدل على الإثنين والجمع، وقد أريد منه هنا الإثنان فلا حذف ولا تقديم ولا تأخير. واعترض بأن فعيلا يستوي فيه ذلك إذا كان بمعنى مفعول وهذا بمعنى فاعل ولا يصح فيه ذلك إلا بطريق الحمل على فعيل بمعنى مفعول، واختلف في تعيين محل قعودهما فقيل: هما على الناجذين، فقد أخرج أبو نعيم والديلمي عن معاذ بن جبل مرفوعا " إن الله لطف بالملكين الحافظين حتى أجلسهما على الناجذين وجعل لسانه قلمهما وريقه مدادهما، وقيل: على العاتقين، وقيل: على طرفي الجنك عند العنفقة وفي البحر أنهم اختلفوا في ذلك ولا يصح فيه شيء، وأنا أقول أيضا: لم يصح عندي أكثر مما أخبر الله تعالى به من أنهما عن اليمين وعن الشمال قعيدان، وكذا لم يصح خبر قلمهما ومدادهما وأقول كما قال اللقاني بعد أن استظهر أن الكتب حقيقي: علم ذلك مفوض إلى الله عز وجل، وأقول الظاهر أنهما في سائر أحوال الإنسان عن يمينه وعن شماله.
وأخرج ابن المنذر. وغيره عن ابن عباس أنه قال: إن قعد فأحدهما عن يمينه والآخر عن يساره وإن مشى فأحدهما إمامه والآخر خلفه وإن رقد فأحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه.
* (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) *.
* (ما يلفظ من قول) * ما يرمي به من فيه خيرا كان أو شرا، وقرأ محمد بن أبي معدان * (ما يلفظ) * بفتح الفاء * (إلا لديه رقيب) * ملك يرقب قوله ويكتبه فإن كان خيرا فهو صاحب اليمين وإن كان شرا فهو صاحب الشمال * (عتيد) * معد مهيأ لكتابة ما أمر به من الخير أو الشر، وتخصيص القول بالذكر لإثبات الحكم في الفعل بدلالة النص واختلف فيما يكتبانه فقال الإمام مالك. وجماعة: يكتبان كل شيء حتى الأنين في المرض، وفي " شرح الجوهرة " للقاني مما يجب اعتقاده أن لله تعالى ملائكة يكتبون أفعال العباد من خير أو شر أو غيرهما قولا كانت أو اعتقادا هما كانت أو عزما أو تقريرا اختارهم سبحانه لذلك فهم لا يعملون من شأنهم شيئا فعلوه قصدا وتعمدا أو ذهولا ونسيانا صدر