تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٦ - الصفحة ١٧٢
إليه ما ذهب إليه القرافي من أنه لا وجود لهذا الجبل بشهادة الحس فقد قطعوا هذه الأرض برها وبحرها على مدار السرطان مرات فلم يشاهدوا ذلك، والطعن في صحة هذه الأخبار وإن كان جماعة من رواتها ممن التزم تخريج الصحيح أهون من تكذيب الحس، وليس ذلك من باب نفي الوجود لعدم الوجدان كما لا يخفى على ذوي العرفان، وأمر الزلزلة لا يتوقف على ذلك الجبل بل هي من الأبخرة وطلبها الخروج مع صلابة الأرض وإنكار ذلك مكابرة عند من له أدنى عرق من الإنصاف والله تعالى أعلم.
واختلف في جواب القسم فقيل: محذوف يشعر به الكلام كأنه قيل: والقرآن المجيد إنا أنزلناه لتنذر به الناس، وقدره أبو حيان إنك جئتهم منذرا بالبعث ونحو ما قيل: هو إنك لمنذر؛ وقيل: ما ردوا أمرك بحجة.
وقال الأخفش: والمبرد. والزجاج: تقديره لتبعثن، وقيل: هو مذكور، فعن الأخفش * (قد علمنا ما تنقص الأرض منهم) * (ق: 4) وهو اختيار محمد بن علي الترمذي، وقيل: * (ما يبدل القول لدى) * (ق: 29) وعن نحاة الكوفة هو قوله تعالى:
* (بل عجبوا أن جآءهم منذر منهم فقال الك‍افرون ه‍اذا شىء عجيب) *.
* (بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم) * وما ذكر أولا هو المعول عليه، و * (بل) * للإضراب عما ينبىء عنه جواب القسم المحذوف فكأنه قيل: إنا أنزلناه لتنذر به الناس فلم يؤمنوا به بل جعلوا كلا من المنذر والمنذر به عرضة للتكبر والتعجب مع كونهما أوفق شيء لقضية العقول وأقربه إلى التلقي بالقبول، وقيل: التقدير أنك جئتهم منذرا بالبعث فلم يقبلوا بل عجبوا أو فشكوا فيه بل عجبوا على معنى لم يكتفوا بالشك والرد بل جزموا بالخلاف حتى جعلوا ذلك من الأمور العجيبة، وقيل: هو إضراب عما يفهم من وصف القرآن بالمجيد كأنه قيل: ليس سبب امتناعهم من الإيمان بالقرآن أن لا مجد له ولكن لجهلهم، ونبه بقوله تعالى: * (بل عجبوا) * عليه لأن التعجب من الشيء يقتضي الجهل بسببه.
قال في " الكشف ": وهو وجه حسن، و * (أن جاءهم) * بتقدير لأن جاءهم، ومعنى * (منهم) * من جنسهم أي من جنس البشر أو من العرب، وضمير الجمع في الآية عائد على الكفار، وقيل: عائد على الناس وليس بذاك.
وقوله تعالى: * (فقال الكافرون ه‍اذا شيء عجيب) * تفسير لتعجبهم وبيان لكونه مقارنا لغاية الإنكار مع زيادة تفصيل لمحل التعجب، وهذا إشارة إلى كونه عليه الصلاة والسلام منذرا بالقرآن وإضمارهم أولا للإشعار بتعينهم بما أسند إليهم، وإظهارهم ثانيا للتسجيل عليهم بالكفر بموجبه أو عطف لتعجبهم من البعث على تعجبهم من البعثة، وعطفه بالفاء لوقوعه بعده وتفرعه عليه لأنه إذا أنكر المبعوث أنكر ما بعث به أيضا، على أن هذا إشارة إلى مبهم وهو البعث يفسره ما بعده من الجملة الإنكارية، ودل عليه السياق أيضا لأنه دل على أن ثم منذرا به، ومعلوم أن إنذار الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أول كل شيء بالبعث وما يتبعه.
ووضع المظهر موضع المضمر إما لسبق اتصافهم بما يوجب كفرهم؛ وأما للإيذان بأن تعجبهم من البعث لدلالته على استقصارهم لقدرة الله سبحانه عنه مع معاينتهم لقدرته عز وجل على ما هو أشق منه في قياس العقل من مصنوعاته البديعة أشنع من الأول وأعرق في كونه كفرا، وقوله تعالى:
* (أءذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد) *.
* (ءإذا متنا وكنا ترابا) * تقرير للتعجب وتأكيد للإنكار أو بيان لموضع تعجبهم، والعامل في * (إذا) * مضمر غني عن البيان لغاية شهرته مع دلالة ما بعده عليه أي أحين نموت ونصير ترابا نرجع كما ينطق به النذير والمنذر به مع كمال التباين بيننا وبين
(١٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 ... » »»