تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٣ - الصفحة ٢٢١
أن المقصود بالإفادة هو النبوة وأن الثاني جيء به تتميما لذلك.
وأنت تعلم أن النبوة وكون القرآن وحيا من عند الله تعالى متلازمان متى ثبت أحدهما ثبت الآخر، لكن يرجح جعل الآية في النبوة وإثباتها القرب وتصدير هذه الآية بنحو من صدرت به الآية المتضمنة دعوى النبوة قبلها من قوله تعالى: * (قل) * فإن سلم لك هذا المرجح فذاك وإلا فلا تعدل عما روى عن ابن عباس ومن معه، وعن الحسن أن ذلك يوم القيامة كما في قوله تعالى: * (عم يتساءلون * عن النبأ العظيم) * (النبأ: 1، 2) وقيل: ما تقدم من أنباء الأنبياء عليهم السلام، وقيل تخاصم أهل النار، وعدى العلم بالباء نظرا إلى معنى الإحاطة، والملأ الجماعة الإشراف لأنهم يملؤن العيون رواء والنفوس جلالة، وبهاء وهو اسم جمع ولذا وصف بالمفرد أعني * (الأعلى) * والمراد به عند ملأ الملائكة وآدم عليهم السلام وإبليس عليه اللعنة وكانوا في السماء فالعلو حسي وكان التقاول بينهم على ما ستعلمه إن شاء الله تعالى، وإذ متعلقة بمحذوف يقتضيه المقام إذ المراد نفي علمه عليه الصلاة والسلام بحالهم لا بذواتهم، والتقدير ما كان لي فيما سبق علم ما بوجه من الوجوه بحال الملا إلا على وقت اختصامهم، وهو أولى من تقدير الكلام كما ذهب إليه الجمهور أي ما كان لي علم بكلام الملا إلا على وقت اختصامهم لأن علمه صلى الله عليه وسلم غير مقصور على ما جرى بينهم من الأقوال فقط بل عام لها وللأفعال أيضا من سجود الملائكة عليهم السلام وإباء إبليس واستكباره حسبما ينطق به الوحي فالأولى اعتبار العموم في نفيه أيضا، وقيل: إذ بدل اشتمال من * (الملأ) * أو ظرف لعلم وفيه بحث والاختصام فيما يشير إليه سبحانه بقوله عز وجل: * (إذ قال ربك) * (البقرة: 30) الخ، والتعبير بيختصمون المضارع لأنه أمر غريب فأتى به لاستحضاره حكاية للحال، وضمير الجمع للملأ. وحكى أبو حيان كونه لقريش وابتعده وكأن في * (يختصمون) * حينئذ التفاتا من الخطاب في * (أنتم عنه معرضون) * إلى الغيبة والاختصام في شأن رسالته صلى الله عليه وسلم أو في شأن القرآن أو شأن المعاد وفيه عدول عن المأثور وارتكاب لما لا يكاد يفهم من الآية من غير داع إلى ذلك ومع هذا لا يقبله الذوق السليم، وقوله تعالى:
* (إن يوحى إلى إلا أنمآ أنا نذير مبين) *.
* (إن يوحى إلي إلا إنما أنا نذير مبين) * اعتراض وسط بين إجمال اختصامهم وتفصيله تقريرا لثبوت علمه عليه الصلاة والسلام وتعيينا لسببه إلا أن بيان انتفائه فيما سبق لما كان منبئا عن ثبوته الآن، ومن البين عدم ملابسته صلى الله عليه وسلم بشيء من مباديه المعهودة تعين أنه ليس إلا بطريق الوحي حتما فجعل ذلك أمرا مسلم الثبوت غنيا عن الاخبار به قصدا وجعل مصب الفائدة إخباره بما هو داع إلى الوحي ومصحح له، فالقائم مقام الفاعل ليوحي إما ضمير عائد إلى الحال المقدر كما أشير إليه سابقا أو ما يعمه وغيره، فالمعنى ما يوحى إلى حال الملأ الأعلى أو ما يوحى إلى الذي يوحى من الأمور الغيبية التي من جملتها حالهم لأمر من الأمور إلا لأني نذير مبين من جهته تعالى فإن كونه عليه الصلاة والسلام كذلك من دواعي الوحي إليه ومصححاته، وجوز كون الضمير القائم مقام الفاعل عائدا إلى المصدر المفهوم من * (يوحى) * أي ما يفعل الإيحاء إلى بحال الملأ الأعلى أو بشيء من الأمور الغيبية التي من جملتها حالهم لأمر من الأمور إلا لأني الخ.
وجوز أيضا كون الجار والمجرور نائب الفاعل * (وإنما) * على تقدير اللام، قال في " الكشف ": ومعنى الحصر أنه صلى الله عليه وسلم لم يوح إليه لأمر إلا لأنه نذير مبين وأي مبين كقولك: لم تستقض يا فلان إلا لأنك عالم عامل مرشد.
وجوز الزمخشري أن يكون بعد حذف اللام مقاما مقام الفاعل، ومعنى الحصر أني لم أومر إلا بهذا لأمر
(٢٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 216 217 218 219 220 221 222 223 224 225 226 ... » »»