تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٣ - الصفحة ٢٢٣
وإن لم تكن إذ ذاك نازلة قرآنا فاختصرت ههنا لما ذكر في " الكشف " اكتفاء بذلك، وقال فيه أيضا: وذلك أن تقول التقاول بين الملائكة وآدم عليهم السلام حيث قال: * (أنبؤني بأسماء هؤلاء) * (البقرة: 31) تبكيتا لهم بما نسبوا إليه من قولهم * (أتجعل) * فيها وبينه وبين إبليس إما لأنه داخل في الإنكار والتبكيت بل هو أشدهم في ذلك لكن غلب الله تعالى الملائكة لأنه أخس من أن يقرن مع هؤلاء مفردا في الذكر أو لأنه أمر بالسجود لمعلمه فامتنع وأسمعه لما أسمع.
وقوله تعالى: * (وإذ قال ربك) * الخ للإتيان بطرف مشتمل على قصة المقاولة وتصوير أصلها فلم يلزم منه أن يكون الرب جل شأن من المقاولين وإن كان بينه سبحانه وبينهم تقاول قد حكاه الله تعالى، وهذا أقل تكلفا مما فيه دعوى أن تكليمه تعالى كان بواسطة الملك إذ للمانع أن يمنع التوسط على أصلنا وعلى أصل المعتزلة أيضا لا سيما إذ جعل المبكتون الملائكة كلهم، وعلى الوجهين ظهر فائدة إبدال * (إذ قال ربك) * من * (إذ يختصمون) * على وجه بين، والاعتراض بأنه لو كان بدلا لكان الظاهر إذ قال ربي لقوله * (ما كان لي من علم) * (ص: 69) فليس المقام مما يقتضي الالتفات غير قادح فإنه على أسلوب قوله تعالى: * (ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن خلقهم العزيز العليم * الذي جعل لكم الأرض) * (الزخرف: 9، 10) فالخطاب بلكم نظرا إلى أنه من قول الله تعالى تمم قولهم وذنبه كذلك ههنا هو من قول الله تعالى لتتميم قول النبي صلى الله عليه وسلم وهذا على نحو ما يقول: مخاطبك جاءني الأمير فتقول الذي أكرمك وحباك أو يقول رأيت الأمير يوم الجمعة فتقول: يوم خلع عليك الخلعة الفلانية، ومنه علم أنه ليس من الالتفات في شيء وإن هذا الإبدال على هذا الأسلوب لمزيد الحسن انتهى، وجوز أن يقال: إن * (إذ) * قوله تعالى: * (إذ قال ربك) * ظرف ليختصمون، والمراد بالملا الأعلى الملائكة وباختصامهم قولهم لله تعالى * (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) * (البقرة: 30) في مقابلة قوله تعالى: * (إني جاعل في الأرض) * (البقرة: 30) إلى غير ذلك، ولا يتوقف صحة إرادة ذلك على جعل الله تعالى من الملأ ولا على أنه سبحانه كلمهم بواسطة ملك ولا تقدم تفصيل الاختصام مطلقا بل يكفي ذكره بعد النزول سواء ذكر قرآنا أم لا، ويجرح تفسير الملأ بما ذكر على تفسيره بما يعم آدم عليه السلام أن ذاك على ما سمعت يستدعي القول بأن آدم كان في السماء وهو ظاهر في أنه عليه السلام خلق في السماء أو رفع إليها بعد خلقه في الأرض وكلا الأمرين لا يسلمهما كثير من الناس، وقد نقل ابن القيم في كتابه مفتاح دار السعادة عن جمع أن آدم عليه السلام إنما خلق في الأرض وأن الجنة التي أسكنها بعد أن جرى ما جرى كانت فيها أيضا وأتى بأدلة كثيرة قوية على ذلك ولم يجب عن شيء منها فتدبر. وذهب بعضهم إلى أن الملأ الأعلى الملائكة وأن اختصامهم كان في الدرجات والكفارات، فقد أخرج الترمذي وصححه. والطبراني. وغيرهما عن معاذ بن جبل قال: " احتبس عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة من صلاة الصبح حتى كدنا نتراءى عين الشمس فخرج سريعا فثوب بالصلاة فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما سلم دعا بصوته فقال: على مصفاكم ثم التفت إلينا ثم قال: أما إني أحدثكم بما حبسني عنكم الغداة إني قمت الليلة فقمت وصليت ما قدر لي ونعست في صلاتي حتى استثقلت فإذا أنا بربي تبارك وتعالى في أحسن صورة فقال: يا محمد قلت: لبيك ربي قال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: لا أدري فوضع كفه بين كتفي فوجدت برد أنامله بين ثديي فتجلى لي كل شيء وعرفته فقال: يا محمد قلت: لبيك قال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: في الدرجات والكفارات فقال: ما الدرجات؟ فقلت: إطعام وإفشاء السلام والصلاة بالليل والناس نيام قال: صدقت فما الكفارات؟ قلت: إسباغ الوضوء في المكاره وانتظار الصلاة بعد الصلاة ونقل الإقدام
(٢٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 218 219 220 221 222 223 224 225 226 227 228 ... » »»