تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٣ - الصفحة ٢١٧
عليهم السلام إن كانوا هم القائلين أو من كلام بعض الرؤساء، وجوز كونه ابتداء كلام منهم و * (مرحبا) * من الرهب بضم الراء وهو السعة ومنه الرحبة للفضاء الواسع وهو مفعول به لفعل واجب الإضمار و * (بهم) * بيان للمدعو عليهم، وتكون الباء للبيان كاللام في نحو سقيا له، وكون اللام دون الباء كذلك دعوى من غير دليل أي ما أتوا بهم رحبا وسعة، وقيل: الباء للتعدية فمجرورها مفعول ثان لأتوا وهو مبني على زعم أن اللام لا تكون للبيان، وكفى بكلام الزمخشري وأبي حيان دليلا على خلافه، ويقال: مرحبا بك على معنى رحبت بلادك رحبا كما يقال على معنى أتيت رحبا من البلاد لا ضيقا؛ ويفهم من كلام بعضهم جواز أن يكون * (مرحبا) * مفعولا مطلقا لمحذوف أي لارحبت بهم الدار مرحبا، والجمهور على الأول، وأيا ما كان فالمراد بذلك مثبتا الدعاء بالخير ومنفيا الدعاء بالسوء.
* (إنهم صالوا النار) * تعليل من جهة الملائكة لاستحقاقهم الدعاء عليهم أو وصفهم بما ذكر أو تعليل من الرؤساء لذلك، والكلام عليه يتضمن الإشارة إلى عدم انتفاعهم بهم كأنه قيل: إنهم داخلون النار بأعمالهم مثلنا فأي نفع لنا فلا مرحبا بهم.
* (قالوا بل أنتم لا مرحبا بكم أنتم قدمتموه لنا فبئس القرار) *.
* (قالوا) * أي الأتباع وهم الفوج المقتحم للرؤساء.
* (بل أنتم لا مرحبا بكم) * أي بل أنتم أحق بما قيل لنا أو بما قلتم لنا، ولعلهم إنما خاطبوهم بذلك على تقدير كون القائل الملائكة الخزنة عليهم السلام مع أن الظاهر أن يقولوا بطريق الاعتذار إلى أولئك القائلين بل هم لا مرحبا بهم قصدا منهم إلى إظهار صدقهم بالمخاصمة مع الرؤساء والتحاكم إلى الخزنة طمعا في قضائهم بتخفيف عذابهم أو تضعيف عذاب خصائصهم. وفي " البحر " خاطبوهم لتكون المواجهة لمن كانوا لا يقدرون على مواجهتهم في الدنيا بقبيح أشفى لصدورهم حيث تسببوا في كفرهم وأنكى للرؤساء، وهذا أيضا بتأويل القول بناء على أن الإنشاء لا يكون خبرا أي بل أنتم مقول فيكم لا مرحبا بكم * (أنتم قدمتموه لنا) * تعليل لأحقيتهم بذلك، وضمير الغيبة في * (قدمتموه) * للعذاب لفهمه مما قبله أو للمصدر الذي تضمه * (صالوا) * وهو الصلي أي أنتم قدمتم العذاب أو الصلى ودخول النار لنا بإغوائنا وإغرائنا على ما قدمنا من العقائد الزائغة والأعمال السيئة لا أنا باشرناها من تلقاء أنفسنا.
وفي الكلام مجازان عقليان، الأول إسناد التقديم إلى الرؤساء لأنهم السبب فيه بإغوائهم، والثاني إيقاعه على العذاب أو الصلي مع أنه ليس المقدم بل المقدم عمل السوء الذي هو سبب له، وقيل: أطلق الضمير الذي هو عبارة عن العذاب أو الصلى المسبب عن العمل على العمل مجازا لغويا، وقيل: لا حاجة إلى ارتكاب المجاز فيه فتقديم العذاب أو الصلى المسبب عن العمل على العمل مجازا لغويا، وقيل: لا حاجة إلى ارتكاب المجاز فيه فتقديم العذاب أو الصلى بتأخير الرحمة منهم * (فبئس القرار) * أي فبئس المقر جهنم، وهو من كلام الأتباع وكأنهم قصدوا بذلك التشفي والإنكار وإن ذلك المقر مشترك، وقيل: قصدوا بالذم المذكور تغليظ جناية الرؤياء عليهم.
* (قالوا ربنا من قدم لنا ه‍اذا فزده عذابا ضعفا فى النار) *.
* (قالوا) * أي الأتباع أيضا، وقول ابن السائب: القائل جميع أهل النار خلاف الظاهر جدا فلا يصار إليه، وتوسيط الفعل بين كلاميهم لما بينهما من التباين ذاتا وخطابا أي قالوا معرضين عن خصومة رؤسائهم متضرعين إلى الله عز وجل: * (ربنا من قدمم لنا ه‍اذا فزده عذابا ضعفا في النار) * أي مضاعفا ومعناه ذا ضعف أي مثل وهو أن يزيد على عذابه مثله فيصير بتلك الزيادة مثلين لعذاب غيره، ويطلق الضعف على الزيادة المطلقة.
وقال ابن مسعود هنا: الضعف حيات وعقارب، والظاهر من بعض عباراتهم أن * (من) * موصولة، ونص الخفاجي
(٢١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 212 213 214 215 216 217 218 219 220 221 222 ... » »»