قالت الصحابة: ما خصومتنا ونحن إخوان يدل على أنه قول الكل فالوجه إيثار ذلك.
وتحقيقه أن قوله تعالى: * (ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن) * (الروم: 58) كلام مع الأمة كلهم موحدهم ومشركهم وكذلك قوله تعالى ضرب الله مثلا رجلاف ورجلا بل أكثرهم دون بل هم كالنص على ذلك فإذا قيل: إنك ميت وجب أن يكون على نحو * (يا أيها النبي إذا طلقتم) * (الطلاق: 1) أي إنكم أيها النبي والمؤمنون وأبهم ليعم القبيلين ولا يتنافر النظم فقد روعي من مفتتح السورة إلى هذا المقام التقابل بين الفريقين لا بينه عليه الصلاة والسلام وحده وبين الكفار ثم إذا قيل: * (ثم إنكم) * على التغليب يكون تغليبا للمخاطبين على جميع الناس فهذا من حيث اللفظ والمساق الظاهر ثم إذا كان الموت أمرا عمه والناس جميعا كان المعنى عليه أيضا، وأما حديث الاختصام والطباق الذي ذكره فليس بشيء لأنه لعمومه يشمله شمولا أوليا كما حقق هذا المعنى مرارا. والتعقيب بقوله تعالى: * (فمن أظلم) * للتنبيه على أنه مصب الغرض وأن المقصود التسلق إلى تلك الخصومة، ولا أنكر أن قوله تعالى: * (عند ربكم) * يدل على أن الاختصام يوم القيامة ولكن أنكر أن يختص باختصام النبي صلى الله عليه وسلم وحده والمشركين بل يتناوله أولا وكذلك اختصام المؤمنين والمشركين واختصام المؤمنين بعضهم مع بعض كاختصام عثمان رضي الله تعالى عنه يوم القيامة وقاتليه، وهذا ما ذهب إليه هؤلاء وهم هم رضي الله تعالى عنهم انتهى، وكأنه عنى بقوله ولا أنكر الخ رد ما يقال إن * (عند ربكم) * يدل على أن الاختصام يوم القيامة، وقد صرح في " النظم الجليل " بذلك فيكون تأكيدا مشعرا بالاهتمام بأمر ذلك الاختصام فليس هو إلا اختصام حبيبه صلى الله عليه وسلم مع أعدائه الطغام، ووجه الرد أنه إن سلم أن فائدة الجمع ما ذكر فلا نسلم استدعاء ذلك لاعتبار الخصوص بل يكفي للاهتمام دخول اختصام الحبيب مع أعدائه عليه الصلاة والسلام فتأمله، ثم أنت تعلم أنه لو لم يكن في هذا المقام سوى الحديث الصحيح المرفوع لكفى في كون المراد عموم الاختصام فالحق القول بعمومه وهو أنواع شتى، فقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس أنه قال في الآية: يخاصم الصادق الكاذب والمظلوم الظالم والمهتدي الضال والضعيف المستكبر، وأخرج الطبراني. وابن مردويه بسند لا بأس به عن أبي أيوب رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أول من يختصم يوم القيامة الرجل وامرأته والله ما يتكلم لسانها ولكن يداها ورجلاها يشهدان عليها بما كان لزوجها وتشهد يداه ورجلاه بما كان لها ثم يدعى الرجل وخادمه بمثل ذلك ثم يدعى أهل الأسواق وما يوجد ثم دانق ولا قراريط ولكن حسنات هذا تدفع إلى هذا الذي ظلمه وسيئات هذا الذي ظلمه توضع عليه ثم يؤتى بالجبارين في مقامع من حديد فيقال أوردوهم إلى النار فوالله ما أدري يدخلونها أو كما قال الله وإن منكم إلا واردها " وأخرج البزار عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاء بالأمير الجائر فتخاصمه الرعية " وأخرج أحمد. والطبراني بسند حسن عن عقبة بن عامر قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أول خصمين يوم القيامة جاران " ولعل الأولية إضافية لحديث أبي أيوب السابق.
وجاء عن ابن عباس اختصام الروح مع الجسد أيضا بل أخرج أحمد بسند حسن عن أبي هريرة قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليختصمن يوم القيامة كل شيء حتى الشاتان فيما انتطحا ". تم الجزء الثالث والعشرون ويليه إن شاء الله تعالى الجزء الرابع والعشرون وأوله * (فمن أظلم) * * (فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جآءه أليس فى جهنم مثوى للكافرين) *.