تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٣ - الصفحة ٢٢٠
لكل شيء فلأنه لو كان إله غيره سبحانه لم يكن قهارا له ضرورة أنه لا يكون حينئذ إلها بل ربما يلزم أن يكون مقهورا وذلك مناف للألوهية تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، وأما * (رب السموات) * (الرعد: 16) الخ فلأنه لو أمكن غيره معه تعالى شأنه جاء دليل التمانع المشار إليه بقوله سبحانه: * (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) * (الأنبياء: 22) فلم تتكون السماوات والأرض وما بينهما، وقيل: لأن معنى * (رب السموات) * الخ رب كل موجود فيدخل فيه كل ما سواه فلا يكون إلها، وأما العزيز فلأنه يقتضي أن يغلب غيره ولا يغلب ومع الشكرة لا يتم ذلك.
وأما الغفار فلأنه يقتضي أن يغفر ما يشاء لمن يشاء فربما شاء مغفرة لأحد وشاء لآخر منه العقاب فإن حصل مراده فالآخر ليس بإله وإن حصل مراد الآخر ولم يحصل مراده لم يكن هو إلها تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، وما قيل في برهان التمانع سؤالا وجوابا يقال هنا، وفي هذه الأوصاف من الدلالة على الوعد والوعيد ما لا يخفى، وللاقتصار على وصف الإنذار صريحا فيما تقدم قدم وصف القهار على وصف الغفار هنا، وجوز أن يكون المقصود هو تحقيق الإنذار وجيء بالثاني تتميما له وإيضاحا لما فيه من الإجمال أي قل لهم ما أنا إلا منذر لكم بما أعلم وإنما أنذرتكم عقوبة من هذه صفته فإن مثله حقيق بأن يخاف عقابه كما هو حقيق بأن يرجى ثوابه، والوجه الأول أوفق لمقتضى المقام لأن التعقيب بتلك الصفات في الدلالة على أن الدعوة إلى التوحيد مقصودة بالذات بمكان لا ينكر ولأن هذا بالنسبة إلى ما مر من صدر السورة إلى هنا بمنزلة أن يقول المستدل بعد تمام تقريره فالحاصل فالأولى أن يكون على وزان المبسوط وفيه قوله تعالى: * (أجعل الآلهة إلها واحدا) * (ص: 5) فافهم.
* (قل هو نبأ عظيم) *.
* (قل) * تكرير الأمر للإيذان بأن المقول أمر جليل له شأن خطير لا بد من الاعتناء به أمرا وائتمارا * (هو) * أي ما أنبأتكم به من كوني رسولا منذرا وأن الله تعالى واحدا لا شريك له * (نبؤ عظيم) * خبر ذو فائدة عظيمة جدا لا ريب فيه أصلا.
* (أنتم عنه معرضون) *.
* (أنتم عنه معرضون) * متمادون في الإعراض عنه لتمادي غفلتكم، وهذه الجملة صفة ثانية لنبأ والكلام بجملته تحير لهم وتنبيه على مكان الخطأ وإظهار لغاية الرأفة والعطف الذي يقتضيه مقام الدعوة. واستظهر بعض الأجلة أن * (هو) * للقرآن كما روى عن ابن عباس. ومجاهد. وقتادة، واستشهد بآخر السورة وقال: إنه يدخل ما ذكر دخولا أوليا، واختار كون هذه الجملة استئنافا ناعيا عليهم سوء حالهم بالنسبة إليه وأنهم لا يقدرون قدره الجليل مع غاية عظمته الموجبة للإقبال عليه وتلقيه بحسن القبول؛ وكأن الكلام عليه ناظر إلى ما في أول السورة من قوله تعالى: * (والقرآن ذي الذكر * بل الذين كفروا في عزة وشقاق) * (ص: 1، 2) جيء به ليستدل على أنه وارد من جهته تعالى بما يشير إليه قوله تعالى:
* (ما كان لى من علم بالملإ الاعلى إذ يختصمون) *.
* (ما كان لي من علم بالملإ الأعلى إذ يختصمون) * الخ حيث تضمن ذكر نبأ من أنبائه على التفصيل من غير سابقة معرفة به ولا مباشرة سبب من أسبابها المعتادة كالنظر في الكتب الإلهية والسماع من الكتابين وهو حجة بينة دالة على أنه بطريق الوحي من عند الله تعالى وأن سائر أنبائه أيضا كذلك؛ وهو على ما قلنا تذكير لإثبات النبوة بذكر مختصر منه تمهيدا لإرشاد الطريق وتذكيرا للباقي وتسلقا منه إلى استماع ما ذكره لطف للمدعوين وتنويه للداعي، وعدم التعرض لنحو ذلك في أمر التوحيد لظهور أدلته مع كونه ذكر شيء منها غضا طريا وهو ما أشارت إليه الصفات المذكورة آنفا، فلا يقال: إن التعرض لإثبات النبوة دون التوحيد دليل على
(٢٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 215 216 217 218 219 220 221 222 223 224 225 ... » »»