تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٣ - الصفحة ٢٣٢
أن تملك معه شيئا مع أن فرحك بالعطاء لا يكون إلا مع شهود ملكك له، وكفى بذلك جهلا ثم قالت له: يا سليمان وماذا ملكك الذي سألته أن يعطيكه فقال: خاتمي قالت: اف الملك يحويه خاتم انتهى، ويدل على كذب ما بلغه وجوه أيضا لا تخفى على الخواص والعجب من أنها خفيت على الخواص، وقوله تعالى: * (يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي) * (ص: 75) يشير إلى فضل آدم عليه السلام وأنه أكمل المظاهر، واليدان عندهم إشارة إلى صفتي اللطف والقهر وكل الصفات ترجع إليهما، ولا شك عندنا في أنه أفضل من الملائكة عليهم السلام. وذكر الشعراني أنه سأل الخواص عن مسألة التفضيل الذي أشرنا إليه فقال: الذي ذهب إليه جماعة من الصوفية أن التفاضل إنما يصح بين الأجناس المشتركة كما يقال أفضل الجواهر الياقوت وأفضل الثياب الحلة وأما إذا اختلفت الأجناس فلا تفاضل فلا يقال أيما أفضل الياقوت أم الحلة؟ ثم قال: والذي نذهب إليه أن الأرواح جميعها لا يصح فيها تفاضل إلا بطريق الإخبار عن الله تعالى فمن أخبره الحق تعالى بذلك هو الذي حصل له العلم التام وقد تنوعت الأرواح إلى ثلاثة أنواع. أرواح تدبر أجسادا نورية وهم الملأ الأعلى. وأرواح تدبر أجسادا نارية وهم الجن وأرواح تدبر أجسادا ترابية وهم البشر، فالأرواح جميعها ملائكة حقيقة واحدة وجنس واحد فمن فاضل من غير علم إلهي فليس عنده تحقيق فإنا لو نظرنا التفاضل من حيث النشأة مطلقا قال العقل بتفضيل الملائكة ولو نظرنا إلى كمال النشأة وجمعيتها حكمنا بتفضيل البشر، ومن أين لنا ركون إلى ترجيح جانب على آخر مع أن الملك جزء من الإنسان من حيث روحه لأن الأرواح ملائكة فالكل من الجزء والجزء من الكل، ولا يقال أيما أفضل جزء الإنسان أو كله فافهم انتهى، والكلام في أمر التفضيل طويل محله كتب الكلام ثم إن حظ العارف من القصص المذكورة في هذه السورة الجليلة لا يخفى إلا على ذوي الأبصار الكليلة نسأل الله تعالى أن يوفقنا لفهم كتابه بحرمة سيد أنبيائه وأحبابه صلى الله عليه وسلم وشرف وعظم وكرم.
سورة الزمر وتسمى سورة الغرف كما في " الإتقان " و " الكشاف " لقوله تعالى: * (لهم غرف من فوقها غرف) * (الزمر: 20) أخرج أن الضريس. وابن مردويه. والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس أنها أنزلت بمكة ولم يستثن، وأخرج النحاس عنه أنه قال: نزلت سورة الزمر بمكة سوى ثلاث آيات نزلت بالمدينة في وحشي قاتل حمزة * (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم) * (الزمر: 53) إلى ثلاث آيات، وزاد بعضهم * (قل يا عباد الذين آمنوا اتقوا ربكم) * (الزمر: 10) الآية ذكره السخاوي في جمال القراءة وحكاه أبو حيان عن مقاتل، وزاد بعض: * (الله نزل أحسن الحديث) * (الزمر: 23) حكاه ابن الجوزي، والمذكور في " البحر " عن ابن عباس استثناء * (الله نزل أحسن الحديث) * وقوله تعالى: * (قل يا عبادي الذين أسرفوا) * الخ، وعن بعضهم إلا سبع آيات من قوله سبحانه: * (قل يا عبادي الذين أسرفروا) * إلى آخر السبع وآيها خمس وسبعون في الكوفي وثلاث في الشامي واثنتان في الباقي وتفصيل الاختلاف في " مجمع البيان " وغيره، ووجه اتصال أولها بآخر صاد أنه قال سبحانه هناك: * (إن هو إلا ذكر للعالمين) * (يوسف: 104) وقال جل شأنه هنا: * (تنزيل الكتاب من الله) * (الزمر: 1) وفي ذلك كمال الالتئام بحيث لو أسقطت البسملة لم يتنافر الكلام ثم إنه تعالى ذكر آخر * (ص) * قصة خلق آدم وذكر في صدر هذه قصة خلق زوجه منه وخلق الناس كلهم منه وذكر خلقهم في بطون أمهاتهم خلقا من بعد خلق ثم ذكر أنهم ميتون ثم ذكر سبحانه القيامة
(٢٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 227 228 229 230 231 232 233 234 235 236 237 ... » »»