هذا ومما قاله بعض السادة الصوفية في بعض الآيات: قالوا في قوله تعالى: * (إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق * والطير محشورة كل له أواب) * (ص: 18، 19) إنه ظاهر في أن الجماد والحيوان الذي هو عند أهل الحجاب غير ناطق حي دراك له علم بالله عز وجل، ونقل الشعراني عن شيخه على الخواص قدس سره القول بتكليف البهائم من حيث لا يشعر المحجوبون، وجوز أن يكون نذيرها من ذواتها وأن يكون خارجا عنها من جنسها، وقال: ما سميت بهائم إلا لكون أمر كلامها وأحوالها قد أبهم على غالب الخلق لا لأن الأمر مبهم عليها نفسها. وحكي عنه أنه كان يعامل كل جماد في الوجود معاملة الحي ويقول: إنه يفهم الخطاب ويتألم كما يتألم الحيوان.
وقيل: في قوله تعالى: * (وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات) * (ص: 24) إشارة إلى أن النفوس مجبولة على الظلم وسائر الصفات الذميمة وإلى أن الذين تزكت أنفسهم قليل جدا بالنسبة إلى الآخرين * (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض) * (ص: 26) نقل الشعراني أن خلافته عليه السلام وكذا خلافة آدم كانت في عالم الصور وعالم الأنفس المدبرة لها دون العالم النوراني فإن لكل شخص من أهله مقاما معلوما عينه له ربه سبحانه، وللشيخ الأكبر قدس سره كلام طويل في الخلافة، ويحكى عن بعض الزنادقة أن الخليفة لا يكتب عليه خطيئة ولا هو داخل في ربقة التكليف لأن مرتبته مرتبة مستخلفة وهو كفر صراح، وفرق العلماء بين الخليفة والملك.
أخرج الثعلبي من طريق العوام بن حوشب قال: حدثني رجل من قومي شهد عمر رضي الله تعالى عنه أنه سأل طلحة. والزبير. وكعبا. وسلمان رضي الله تعالى عنهم ما الخليفة من الملك؟ فقال طلحة. والزبير: ما ندري فقال سلمان: الخليفة الذي يعدل في الرعية ويقسم بينهم بالسوية ويشفق عليهم شفقة الرجل على أهله ويقضي بكتاب الله تعالى فقال كعب: ما كنت أحسب أحدا يعرف الخليفة من الملك غيري فقوله تعالى: * (فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى) * (ص: 26) كالتفسير لهذه الخلافة وفيه إشارة إلى ذم الهوى، وفي بعض الآثار ما عبد إله في الأرض أبغض على الله تعالى من الهوى فهو أعظم الأصنام.
وقوله تعالى: * (فطفق مسحا بالسوق والأعناق) * (ص: 33) فيه إشارة بناء على المشهور في القصة إلى أن كل محبوب سوى الله تعالى إذا حجبك عن الله تعالى لحظة يلزمك أن تعالجه بسيف نفى لا إله إلا الله وقد سمعت استدلال الشبلي بذلك على تخريق ثيابه وما قيل فيه قال: * (رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي) * (ص: 35) لم يقصد بذلك السؤال إلا ما يوجب مزيد القرب إليه عز وجل وليس فيه ما يخل بكماله عليه السلام وإلا لعوتب عليه، وقد تقدم الكلام في ذلك ومنه يعلم كذب ما في الجواهر والدرر نقلا عن الخواص قال: بلغنا أن النملة التي كلمت سليمان عليه السلام قالت: يا نبي الله أعطني الأمان وأنا أنصحك بشيء ما أظنك تعلمه فأعطاها الأمان فأسرت إليه في أذنه وقالت: إني أشم من قولك: * (هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي) * (ص: 35) رائحة الحسد فتغير سليمان واغبر لونه ثم قالت له: قد تركت الأدب مع الله تعالى من وجوه، منها عدم خروجك من شح النفس الذي نهاك الله تعالى عنه إلى حضرة الكرم الذي أمرك الله تعالى به، ومنها مبالغتك في السؤال بأن لا يكون ذلك العطاء لأحد من عبيد سيدك من بعدك فحجرت على الحق تعالى بأن لا يعطى أحدا بعد موتك ما أعطاه كل ذلك لمبالغتك في شدة الحرص، ومنها طلبك أن يكون ملك سيدك لك وحدك تقول هب لي وغاب عنك أنك عبد له لا يصح