بخلقته فغير الله تعالى خلقته فاسود بعد ما كان أبيض وقبح بعد ما كان حسنا وأظلم بعد ما كان نورانيا.
وقوله تعالى: * (فإنك رجيم) * تعليل للأمر بالخروج أي مطرود يرجم بالحجارة أو شيطان يرجم بالشهب كذا قالوا، وقد يقال: المراد برجيم ذليل فإن الرجم يستدعي الذلة، وهو أبعد من توهم التكرار مع الجملة بعد من الوجه الأول وأوفق لما في الأعراف من قوله تعالى: * (فاخرج إنك من الصاغرين) *.
* (وإن عليك لعنتىإلى يوم الدين) *.
* (وإن عليك لعنتي) * أي إبعادي عن الرحمة، وفي الحجر * (اللعنة) * فإن كانت أل فيه للعهد أو عوضا عن الضمير المضاف إليه فعدم الفرق بين ما هناك وما هنا ظاهر وإن أريد كل لعنة فذاك لما أن لعنة اللاعنين من الملائكة والثقلين أيضا من جهته تعالى فهم يدعون عليه بلعنة الله تعالى وإبعاده من رحمته * (إلى يوم الدين) * يوم الجزاء والعقوبة، وفيه إيذان بأن اللعنة مع كمال فظاعتها ليست كافية في جزاء جنايته بل هي أنموذج مما سيلقاه مستمرة إلى ذلك اليوم، لكن لا على أنها تنقطع يومئذ كما يوهمه ظاهر التوقيت ونسب القول به إلى بعض الصوفية بل على أنه سيلقى يومئذ من ألوان العذاب وأفانين العقاب ما تنسى عنده اللعنة وتصير كالزائل ألا يرى إلى قوله تعالى: * (فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين) * (الأعراف: 44) وقوله تعالى: * (ويلعن بعضكم بعضا) * (العنكبوت: 25).
* (قال رب فأنظرنىإلى يوم يبعثون) *.
* (قال رب فأنظرني) * أي أمهلني وأخرني، والفاء متعلقة بمحذوف ينسحب عليه الكلام كأنه قال: إذا جعلتني رجيما فامهلني ولا تمتني * (إلى يوم يبعثون) * أي آدم وذريته للجزاء بعد الموت وهو وقت النفخة الثانية، وأراد اللعين بذلك أن يجد فسحة من إغوائهم ويأخذ منهم ثاره وينجو من الموت لأنه لا يكون بعد البعث وكان أمر البعث معروفا بين الملائكة فسمعه منهم فقال ما قال، ويمكن أن يكون قد عرفه عقلا حيث عرف ببعض الأمارات أو بطريق آخر من طرق المعرفة أن أفراد هذا الجنس لا تخلو من وقوع ظلم بينها وأن الدار ليست دار قرار بل لا بد من الموت فيها وأن الحكمة تقتضي الجزاء.
* (قال فإنك من المنظرين) *.
* (قال فإنك من المنظرين) * ورود الجواب بالجملة الاسمية مع التعرض لشمول ما سأله الآخرين على وجه يشعر بأن السائل تبع لهم في ذلك صريح في أنه إخبار بالانظار المقدر لهم أزلا لا إنشاء لإنظار خاص به قد وقع إجابة لدعائه وأن استنظاره كان طلبا لتأخير الموت إذ به يتحقق كونه منهم لا لتأخير العقوبة كما قيل فإن ذلك معلوم من إضافة اليوم إلى الدين أي إنك من جملة الذين أخرت آجالهم أزلا حسبما تقتضيه حكمة التكوين.
* (إلى يوم الوقت المعلوم) *.
* (إلى يوم الوقت المعلوم) * الذي قدرته وعينته لفناء الخلائق وهو وقت النفخة الأولى لا إلى وقت البعث الذي هو المسؤول فالفاء ليست لربط نفس لإنظار بالاستنظار بل لربط الاخبار المؤكد به كما في قوله تعالى: * (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) * (يوسف: 77) وقول الشافعي: فإن ترحم فأنت لذلك أهل * (قال فبعزتك لاغوينهم أجمعين) *.
* (قال فبعزتك) * قسم بسلطان الله عز وجل وقهره وهو كما يكون بالذات يكون بالصفة فالباء للقسم على ما عليه الأكثرون والفاء لترتيب مضمون الجملة على الإنظار أي فاقسم بعزتك * (لأغوينهم أجمعين) * أي أفراد هذا النوع بتزيين المعاصي لهم.
* (إلا عبادك منهم المخلصين) *.
* (إلا عبادك منهم المخلصين) * وهم الذين أخلصهم الله تعالى لطاعته وعصمهم عن الغواية. وقرىء * (المخلصين) * على صيغة الفاعل أي الذين أخلصوا قلوبهم أو أعمالهم لله تعالى.
* (قال فالحق والحق أقول) *.