أجلة العلماء صريح في إباحة تعلمه متى اعتقد أن الله تعالى أجرى العادة بوقوع كذا عند حلول الكوكب الفلاني منزلة كذا مثلا مع جواز التخلف، واستظهر بعض حرمة التعلم مطلقا متى كان فيه إغراء الجهلة بذلك العلم وإيقاعهم في محذور اعتقاد التأثير أو كان فيه غير ذلك من المفاسد وكراهته إن سلم من ذلك لما فيه من تضييع الأوقات فيما لا فائدة فيه ومبناه ظنون وأوهام وتخيلات، ولا يبعد القول بأنه يباح للعالم الراسخ النظر في كتبه للإطلاع على ما قالوا والوقوف على مناقضاتهم واختلافاتهم التي سمعت بعضا منها لينفر عنها الناس ويرد العاكفين عليها كما يباح له النظر في كتب سائر أهل الباطل كاليهود والنصارى لذلك بل لو قيل بسنيته لهذا الغرض لم يبعد لكن أنت تعلم أن السلف الصالح لم يحوموا حول شيء منه بسوى ذمه وذم أهله ولم يتطلبوا كتابا من كتبه لينظروا فيه على أي وجه كان النظر؛ ونسبة خلاف ذلك إلى أحد منهم لا تصح فالحزم اتباعهم في ذلك وسلوك مسلكهم فهو لعمري أقوم المسالك، هذا واعترض القول بإطلاعه صلى الله عليه وسلم على ما ذكر من شأن الأجرام العلوية بأن فيه فتح باب الشبهة في كون أخباره صلى الله عليه وسلم بالغيوب من الوحي لجواز أن تكون من أحكام النجوم على ذلك القول. وأجيب بأن الشبهة إنما تتأتى لو ثبت أنه عليه الصلاة والسلام رصد ولو مرة كوكبا من الكواكب وحقق منزلته وأخبر بغيب إذ مجرد العلم بأن لكوكب كذا حكم كذا إذا حل بمنزلة كذا لا يفيد بدون معرفة أنه حل في تلك المنزلة فحيث لم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك لا يفتح باب الشبهة وفيه بحث ظاهر، وبأن علمه صلى الله عليه وسلم بما تدل عليه الأوضاع عند القائلين به ليس إلا عن وحي فغاية ما يلزم على تلك الشبهة أن يكون خبره بالغيب بواسطة علم أحكام النجوم الذي علمه بالوحي وأي خلل يحصل من هذا في نبوته عليه الصلاة والسلام بل هذه الشبهة تستدعي كونه نبيا كما أن عدمها كذلك. وتعقب بأنه متى سلم أن للأوضاع الفلكية دلالة على الأمور الغيبية وأنه صلى الله عليه وسلم يعلم ما تدل عليه يقع الاشتباه بينه وبين غيره من علماء ذلك العلم المخبرين بالغيب إذا وقع كما أخبروا والتفرقة بأنه عليه الصلاة والسلام قد أوحى إليه بذلك دون الغير فرع كونه نبيا وهو أول المسألة، واختير في الجواب أن يقال: إن أخباره صلى الله عليه وسلم بالغيب إن كان بعد ثبوت نبوته بمعجز غير ذلك لا تتأتى الشبهة إن أفهم أن خبره بواسطة الوحي ولا تضر إن لم يفهم إذ غاية ما في الباب أنه نبي لظهور المعجز على يده قبل أن أخبر بغيب بواسطة وضع فلكي وشاركه غيره في ذلك، وإن كان قبل ثبوت نبوته بمعجز غيره بأن كان التحدي بذلك الخبر ووقوع ما أخبر به فالذي يدفع الشبهة حينئذ عدم القدرة على المعارضة فلا يستطيع منجم أن يخبر صادقا بمقل ذلك بمقتضى علمه بالأوضاع ومقتضياتها فتدبر، ثم الظاهر على ما ذكره الشيخ الأكبر قدس سره في النقباء والنجباء أن لكل من الأنبياء عليهم السلام اطلاعا على ذلك إذ رتبة النبي فوق رتبة الولي وعلمه فوق علمه إذ هو الركن الأعظم في الفضل.
ولا حجة في قصة موسى والخضر عليهما السلام على خلافه، أما على القول بنبوة الخضر عليه السلام فظاهر وكذا على القول بولايته وأنه فعل ما فعل عن أمر الله تعالى بواسطة نبي، وأما على القول بولاسته وأنه فعل ذلك لعلم أوتيه بلا واسطة نبي فلأنه لا يدل إلا على فقدان موسى عليه السلام العلم بتلك الأمور الثلاثة وعلم الخضر بها ولا يلزم من ذلك أن يكون الخضر أعلم منه مطلقا وهو ظاهر، وعلى هذا جوز إبقاء الآية على ظاهرها فيكون إبراهيم عليه السلام قد نظر في النجوم حسبما علمه الله تعالى من أحوال الملكوت الأعلى