تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٣ - الصفحة ١٢٦
استعمالا وهي أنسب بالسياق السابق على أنه لا بد من تقدير عملهم في المنحوت فيزداد الحذف.
واعترض بانا لا نسلم الأكثرية وكذا لا نسلم أنها أنسب بالسياق لما سمعت من أن الأسلوب على ذلك من باب الكناية وهو أبلغ من التصريح والتقدير المذكور ليس بلازم لجواز إبقاء الكلام على عمومه الشامل للمنحوت بالطريق الأولى أو يقدر بمصدر مضاف إضافة عهدية، وبعضهم جعلها موصولة كناية عن العمل لئلا ينفك النظم ويظهر احتجاج الأصحاب على خلق أفعال العباد. وتعقبه أيضا بأنه أفسد من الأول لما فيه من التعقيد وفوات الاحتجاج، وكون الموصول في الأول عبارة عن الأعيان وفي الثاني كناية عن المعاني وانفكاك النظم ليس لخصوص الموصولية والمصدرية بل لتباين المعنيين وهو باق. و " صاحب الانتصاف " قال بتعين حملها على المصدرية لأنهم لم يعبدوا الأصنام من حيث كونها حجارة وإنما عبدوها من حيث أشكالها فهم في الحقيقة إنما عبدوا عملهم وبذلك تبتلج الحجة عليهم بأنهم وعملهم مخلوقان لله تعالى فكيف يعبد المخلوق مخلوقا مثله مع أن المعبود كسب العابد وعمله، وأجاب عن حديث لزوم انفكاك النظم بأن لنا أن نحمل الأولى على المصدرية أيضا فإنهم في الحقيقة إنما عبدوا نحتهم، وفي دعوى التعين بحث، وجوز كون ما الثانية استفهامية للإنكار والتحقير أي وأي شيء تعملون في عبادتكم أصناما نحتموها أي لا عمل لكم يعتبر، وكونها نافية أي وما أنتم تعملون شيئا في وقت خلقكم ولا تقدرون على شيء، ولا يخفى أن كلا الاحتمالين خلاف الظاهر بل لا ينبغي أن يحمل عليه التنزيل، وأظهر الوجوه كونها موصولة وتوجيه ذلك على ما يقوله الأصحاب ثم كونها مصدرية، والاستدلال بالآية عليه ظاهر، وقول " صاحب الكشف ": والانصاف أن استدلال الأصحاب بهذه الآية لا يتم إن أراد به ترجيح احتجاج المعتزلة خارج عن دائرة الإنصاف، ثم إنها على تقدير أن لا تكون دليلا لهم لا تكون دليلا للمعتزلة أيضا كما لا يخفى على المنصف، هذا ولما غلبهم إبراهيم عليه السلام بالحجة مالوا إلى الغلبة بقوة الشوكة.
* (قالوا ابنوا له بني‍انا فألقوه فى الجحيم) *.
* (قالوا ابنوا له بنيانا) * حائطا توقدون فيه النار، وقيل: منجنيقا.
* (فألقوه في الجحيم) * في النار الشديد من الجحمة وهي شدة التأجج والاتقاد، واللام بدل عن المضاف إليه أو للعهد، والمراد جحيم ذلك البنيان التي هي فيه أو عنده.
* (فأرادوا به كيدا فجعلن‍اهم الاسفلين) *.
* (فأرادوا به كيدا) * سوأ باحتيال فإنه عليه السلام لما قهرهم بالحجة قصدوا تعذيبه بذلك لئلا يظهر للعامة عجزهم * (فجعلناهم الأسفلين) * الأذلين بإبطال كيدهم وجعله برهانا ظاهرا ظهور نار القرى ليلا على علم على علو شأنه عليه السلام حيث جعل سبحانه النار عليه بردا وسلاما، وقيل: أي الهالكين، وقيل: أي المعذبين في الدرك الأسفل من النار والأول أنسب.
* (وقال إنى ذاهب إلى ربى سيهدين) *.
* (وقال إني ذاهب إلى ربي) * إلى حيث أمرني أو حيث أتجرد فيه لعبادته عز وجل جعل الذهاب إلى المكان الذي أمره ربه تعالى بالذهاب إليه ذهابا إليه وكذا الذهاب إلى مكان يعبده تعالى فيه لا أن الكلام بتقدير مضاف، والمراد بذلك المكام الشام، وقيل مصر وكأن المراد إظهار اليأس من إيمانهم وكراهة البقاء معهم أي إني مفارقكم ومهاجر منكم إلى ربي * (سيهدين) * إلى ما فيه صلاح ديني أو إلى مقصدي.
والسين لتأكيد الوقوع لأنها في مقابلة لن المؤكد للنفي كما ذكره سيبويه، وبت عليه السلام القول لسبق وعده تعالى إياه بالهداية لما أمره سبحانه بالذهاب أو لفرط توكله عليه السلام أو للبناء على عادته تعالى معه
(١٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 ... » »»