وإنما لم يقل موسى عليه السلام مثل ذلك بل قال: * (عسى ربي أن يهديني سواء السبيل) * (القصص: 22) بصيغة التوقع قيل: لعدم سبق وعد وعدم تقدم عادة واقتضاء مقامه رعاية الأدب معه تعالى بأن لا يقطع عليه سبحانه بأمر قبل وقوعه، وتقديمه على رعاية فرط التوكل ومقامات الأنبياء متفاوتة وكلها عالية، وقيل لأن موسى عليه السلام قال ما قال قبل البعثة وإبراهيم عليه السلام قال ذلك بعدها، وقيل لأن إبراهيم كان بصدد أمر ديني فناسبه الجزم وموسى كان بصدد أمر دنيوي فناسبه عدم الجزم، ومن الغريب ما قيل ونحا إليه قتادة أنه لم يكن مراد إبراهيم عليه السلام بقوله: إني الخ الهجرة وإنما أراد بذلك لقاء الله تعالى بعد الإحراق ظانا إنه يموت في النار إذا ألقى فيها وأراد بقوله: * (سيهديني) * الهداية إلى الجنة، ويدفع هذا القول دعاؤه بالولد حيث قال:
* (رب هب لى من الصالحين) *.
* (رب هب لي من الصالحين) * بعض الصالحين يعينني على الدعوة والطاعة ويؤنسني في الغربة، والتقدير ولدا من الصالحين وحذف لدلالة الهبة عليه فإنها في القرآن وكلام العرب غلب استعمالها مع العقلاء في الأولاد، وقوله تعالى: * (ووهبنا له أخاه هارون نبيا) * من غير الغالب أو المراد فيه هبة نبوته لا هبة ذاته وهو شيء آخر [بم ولقوله تعالى:
* (فبشرناه بغلام حليم) *.
* (فبشرناه بغلام حليم) * فإنه ظاهر في أن ما بشر به عين ما استوهبه مع أن مثله إنما يقال عرفا في حق الأولاد، ولقد جمع بهذا القول بشارات أنه ذكر لاختصاص الغلام به وأنه يبلغ أو أن البلوغ بالسن المعروف فإنه لازم لوصفه بالحليم لأنه لازم لذلك السن بحسب العادة إذ قلما يوجد في الصبيان سعة صدر وحسن صبر وإغضاء في كل أمر، وجوز أن يكون ذلك مفهوما من قوله تعالى: * (غلام) * فإنه قد يختص بما بعد البلوغ وإن كان ورد عاما وعليه العرف كما ذكره الفقهاء وأنه يكون حليما وأي حلم مثل حلمه عرض عليه أبوه وهو مراهق الذبح فقال: * (ستجدني إن شاء الله من الصابرين) * (الصافات: 102) فما ظنك به بعد بلوغه، وقيل مانعت الله تعالى نبيا بالحلم لعزة وجوده غير إبراهيم وابنه عليهما السلام، وحالهما المذكورة فيما بعد تدل على ما ذكر فيهما. [بم والفاء في قوله تعالى:
* (فلما بلغ معه السعى قال يابنى إنىأرى فى المنام أنى أذبحك فانظر ماذا ترى قال ياأبت افعل ما تؤمر ستجدنىإن شآء الله من الصابرين) *.
* (فلما بلغ معه السعي) * فصيحة تعرب عن مقدر قد حذف تعويلا على شهادة الحال وإيذانا بعدم الحاجة إلى التصريح به لاستحالة التخلف أي فوهبناه له ونشأ فلما بلغ رتبة أن يسعى معه في أشغاله وحوائجه، و * (مع) * ظرف للسعي وهي تدل على معنى الصحبة واستحداثها، وتعلقها بمحذوف دل عليه المذكور لأن صلة المصدر لا تتقدمه لأنه عند العمل مؤول بأن المصدرية والفعل ومعمول الصلة لا يتقدم على الموصول لأنه كتقدم جزء الشيء المرتب الأجزاء عليه أو لضعفه عن العمل فيه بحث، أما أولا: فلأن التأويل المذكور على المشهور في المصدر المنكر دون المعرف، وأما ثانيا: فلأنه إذا سلم العموم فليس كل ما أول بشيء حكمه حكم ما أول به، وأما ثالثا: فلأن المقدم هنا ظرف وقد اشتهر أنه يغتفر فيه ما لا يغتفر في غيره. وصرحوا بأنه يكفيه رائحة الفعل وبهذا يضعف حديث المنع لضعف العامل عن العمل فالحق أنه لا حاجة في مثل ذلك إلى التقدير معرفا كان المصدر أو منكرا كقوله تعالى: * (ولا تأخذكم بهما رأفة) * (النور: 2) وهو الذي ارتضاه الرضى وقال به العلامة الثاني، واختار " صاحب الفرائد " كونها متعلقة بمحذوف وقع حالا من * (السعي) * أي فلما بلغ السعي حال كون ذلك السعي كائنا معه، وفيه أن السعي معه معناه اتفاقهما فيه فالصحبة بين الشخصين فيه، وما قدره يقتضي الصحبة بين السعي وإبراهيم عليه السلام ولا يطابق المقام، وجوز تعلقه ببلغ، ورد بأنه يقتضي بلوغهما معا حد السعي لما سمعت من معنى مع وهو غير صحيح، وأجيب بأن مع على ذلك لمجرد الصحبة على