تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٣ - الصفحة ١١٩
يقتضيه كلام الشيخ الأكبر قدس سره قال في الباب الثالث والسبعين من الفتوحات: ومن الأولياء النقباء وهم اثنا عشر نقيبا في كل زمان لا يزيدون ولا ينقصون على عدد البروج الأثنى عشر كل نقيب عالم بخاصية كل برج وبما أودع الله تعالى في مقامه من الأسرار والتأثيرات وما يعطي للنزلاء فيه من الكواكب السيارة والثوابت ثم قال: ومنهم النجباء وهم ثمانية في كل زمان إلى أن قال: ولهم القدم الراسخة في علم تسيير الكواكب من جهة الكشف والاطلاع لا من جهة الطريقة المعلومة عند العلماء بهذا الشأن، والنقباء هم الذين حازوا علم الفلك التاسع والنجباء حازوا علم الثمانية الأفلاك التي دونه وهي كل فلك فيه كوكب، ويفهم من هذا القول بالتأثيرات وأنها مفاضة من البرج على النازل فيه من الكواكب.
وقد تكررت الإشارة منه إلى ذلك ففي الفصل الثالث من الباب الحادي والسبعين والثلثمائة من الفتوحات أن الله تعالى خلق في جوف الكرسي جسما شفافا مستديرا يعني الفلك الأطلس قسمه اثنى عشر قسما هي البروج وأسكن كل برج منها ملكا إلى أن قال: وجعل لكل نائب من هؤلاء الأملاك الاثنى عشر في كل برج ملكه إياه ثلاثين خزانة تحتوي كل خزانة منها على علوم شتى يهبون منها لمن نزل بهم ما تعطيه مرتبته وهي الخزائن التي قال الله تعالى فيها * (وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم) * (الحجر: 21) وهذه الخزائن تسمى عند أهل التعاليم درجات الفلك والنازلون بها هم الجواري والمنازل وعيوقاتها من الثوابت والعلوم الحاصلة من هذه الخزائن الإلهية هي ما يظهر في عالم الأركان من التأثيرات بل ما يظهر في مقعر فلك الثوابت إلى الأرض، وجعل لهؤلاء الأثنى عشر نظرا في الجنان وأهلها وما فيها مخلصا من غير حجاب فما في الجنان من حكم فهو تولى هؤلاء بنفوسهم تشريفا لأهل الجنة وأما أهل الدنيا وأهل النار فما يباشرون ما لهم من الحكم إلا بالنواب وهم النازلون عليهم الذين ذكرناهم، وقال قدس سره: في الفصل الرابع إن الله تعالى جعل لكل كوكب من هذه الكواكب قطعا في الفلك الأطلس ليحصل من تلك الخزائن التي في بروجه وبأيدي ملائكته الأثنى عشر من علوم التأثير ما تعطيه حقيقة كل كوكب وجعلها على حقائق مختلفة. انتهى المراد منه.
وله قدس سره كلام غير هذا أيضا وقد صرح بنحو ما صرح به المنجمون من اختلاف طبائع البروج وأن كل ثلاثة منها على مرتبة واحدة في المزاج وأنا لا أزيد على القول بأن للإجرام العلوية كواكبها وأفلاكها أسرارا وحكما وتأثيرات غير ذاتية بل مفاضة عليها من جانب الحق والفياض المطلق جل شأنه وعظم سلطانه ومنها ما هو علامة لما شاء الله تعالى ولا يتم دليل على نفي ما ذكر ولا يعلم كمية ذلم ولا كيفيته ولا أن تأثير كذا من كوكب كذا أو كوكب كذا علامة لكذا في نفس الأمر إلا الله تعالى العليم البصير * (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) * (الملك: 14) إلا أنه سبحانه قد يطلع بعض خواص عباده من البشر والملك على شيء من ذلك، ولا يبعد أن يطلع سبحانه البعض على الكل ووقوع ذلك لنبينا صلى الله عليه وسلم مما لا أكاد أشك فيه.
وقد نص بعض ساداتنا الصوفية قدست أسرارهم وأشرقت علينا أنوارهم على أن علومه عليه الصلاة والسلام التي وهبت له ثلاثة أنواع نوع أوجب عليه إظهاره وتبليغه وهو علم الشريعة والتكاليف الالهية وقوله تعالى: * (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته) * (المائدة: 67) ناظر إلى ذلك دون العموم
(١١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 114 115 116 117 118 119 120 121 122 123 124 ... » »»