تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٣ - الصفحة ١١٨
اختلافا عظيما من غير دليل ومتى تعارضت الأقوال وتعذر الترجيح فيما بينها لا يعول على شيء منها.
الرابع أن أرضادهم لا تنفك عن نوع خلل وهي مبني أحكامهم، وقد صنف أبو علي بن الهيثم رسالة بليغة في أقسام الخلل الواقع في آلات الرصد وبين أن ذلك ليس في وسع الإنسان دفعه وإزالته وإصابتهم في أوقات الخسوف والكسوف مع ذلك الخلل لا تستدعي إصابتهم في غيرها معه، الخامس أنا نشاهد عالما كثيرا يقتلون في ساعة واحدة في حرب وخلقا كثيرا يغرقون في ساعة واحدة مع اختلاف طوالعهم واقتضائها أحوالا مختلفة عندكم وهذا يدل على عدم اعتبار ما اعتبرتموه أولا، فإن قلتم: إن الطوالع قد يكون بعضها أقوى من بعض فلعل طالع الوقت أقوى من طالع الأصل فكان الحكم، قلنا: هذا بعينه يبطل عليكم اعتبار طالع المولود فإن الطوالع بعده مختلفة كثيرة ولعل بعضها أقوى منه فلا يفيد اعتباره شيئا، السادس ان العقل لا مساغ له في اقتضاء كوكب معين أو وضع معين تأثيرا خاصا والتجربة على قصورها معارضة بتجربة اقتضت خلافها إلى غير ذلك من الوجوه، وأبو البركات البغدادي وإن زيف ما هم عليه إلا أنه يقر بقبول بعض الأحكام فإنه قال بعد ذكر شيء من أقوالهم التي لا دليل لهم عليها: وهذه أقوال قالها قائل فقبلها قابل ونقلها ناقل فحسن بها ظن السامع واغتربها من لا خبرة له ولا قدرة له على النظر ثم حكم بحسبها الحاكمون بجيد ورديء وسلب وإيجاب وسعد ونحوس فصادف بعضه موافقة الوجود فصدق فاغتر به المغترون ولم يلتفتوا إلى كذب فيه بل عذروه وقالوا: هو منجم ما هو نبي حتى يصدق في كل ما يقول واعتذروا له بأن العلم أوسع من أن يحيط به ولو أحاط به لصدق في كل شيء، ولعمر الله تعالى أنه لو أحاط به علما صادقا لصدق والشأن أن يحيط به على الحقيقة لا على أن يفرض فرضا ويتوهم وهما فينقله إلى الوجود ويثبته في الموجود وينسب إليه ويقيس عليه، والذي يصح منه ويلتفت إليه العقلاء هي أشياء. غير هذه الخرافات التي لاأصل لها مما حصل بتوقيف أو تجربة حقيقية كالقرانات والانتقالات والمقابلة وممر كوكب من المتحيرة تحت كوكب من الثابتة وام يعرض للمتحيرة من رجوع واستقامة ورجوع في شمال وانخفاض في جنوب وغير ذلك، وكأني أريد أن أختصر الكلام ههنا وأوافق إشارتك وأعمل بحساب اختيارك رسالة في ذلك أذكر ما قيل فيها من علم أحكام النجوم من أصول حقيقية أو مجازية أو وهمية أو غليطة وفروع نتائج أنتجت عن تلك الأصول وأذكر الجائز من ذلك والممتنع والقريب والبعيد فلا أرد علم الأحكام من كل وجه كما رده من جهله ولا أقبل فيه كل قول كماقبله من لم يعقله بل أوضح موضع القبول والرد وموضع التوقيف والتجويز والذي من المنجم والذي من التنجيم والذي منهما وأوضح لك أنه لو أمكن الإنسان أن يحيط بشكل كل ما في الفلك علما لأحاط بكل ما يحويه الفلك لأن منه مبادىء الأسباب لكنه لا يمكن ويبعد عن الإمكان بعدا عظيما والبعض الممكن منه لا يهدي إلى بعض الحكم لأن البعض الآخر المجهول قد يناقض المعلوم في حكمه ويبطل ما يوجبه فنسبة المعلوم إلى المجهول من الأحكام كنسبة المعلوم إلى المجهول من الأسباب وكفى بذلك بعدا انتهى، وفيه من التأييد لبعض ما تقدم من الأوجه ما فيه.
وأنا أقول: إن الإحاطة بالأسرار المودعة في الأجرام لا يبعد أن تحصل بعض الخواص ذوي النفوس القدسية لكن بطريق الكشف أو نحوه دون الاستدلال الفكري والأعمال الرصدية مثلا وهو الذي
(١١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 113 114 115 116 117 118 119 120 121 122 123 ... » »»