الكسوف والخسوف السابق وأرشدهم إلى ما ينفعهم إذا ظهر مثل ذلك ويتضمن الإشارة الإجمالية أيضا أمره تعالى بالاستعاذة من شر القمر في بعض حالاته وذلك في قوله تعالى: * (قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق ومن شر غاسق إذا وقب) * على ما جاء في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها ويقرب في بعض الوجوه من شأنه صلى الله عليه وسلم شأنه عليه الصلاة والسلام في أمر النباتات ونحوها فبين لهم ما يحل ويحرم من ذلك وأشار منفعة بعض الأشياء من نبات وغيره ولم يفصل القول في الخواص وترك الناس فيما يأكلون ويشربون مما هو حلال على عاداتهم إلا أنه قال: * (كلوا واشربوا ولا تسرفوا) * (الأعراف: 31) نعم نهى صلى الله عليه وسلم عن الخوض في علم النجوم لطلب معرفة الحوادث المستقبلة بواسطة الأوضاع المتوقف بزعم المنجمين على معرفة الطبائع سدا لباب الشر والوقوع في الباطل لأن معرفة ذلك على التحقيق ليست كسبية كمعرفة خواص النباتات ونحوها والمعرفة الكسبية التي يزعمها المنجمون ليست بمعرفة وإنما هي ظنون لا دليل لهم عليها كما تقدم وصار به أرسطاليس أيضا فإنه قال في أول كتابه السماع الطبيعي: إنه لا سبيل إلى اليقين بمعرفة تأثير الكواكب وحكى نحوه عن بطليموس، وكون المنهي عنه ذلك هو الذي صرح به بعض الأجلة وعليه حمل خبر أبي داود. وابن ماجه " من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من السحر " وأما الخوض في علم النجوم لتحصيل ما يعرف به أوقات الصلوات وجهة القبلة وكم مضى من الليل أو النهار وكم بقى وأوائل الشهور الشمسية ونحو ذلك ومنه فيما أرى ما يعرف به وقت الكسوف والخسوف فغير منهى عنه بل العلم المؤدى لبعض ما ذكر من فروض الكفاية بل إن كان علم النجوم عبارة عن العلم الباحث عن النجوم باعتبار ما يعرض لها من المقارنة والمقابلة والتثليث والتسديس وكيفية سيرها ومقدار حركاتها ونحو ذلك مما يبحث عنه في الزيج أو كان عبارة عما يعم ذلك والعلم الذي يتوصل به إلى معرفة ارتفاع الكوكب وانخفاضه ومعرفة الماضي من الليل والنهار ومعرفة الأطوال والأعراض ونحو ذلك مما تضمنه علم الأسطرلاب والربع المجيب ونحوهما فهو مما لا أرى بأسا في تعلمه مطلقا وإن كان عبارة عن العلم الباحث عن أحكامها وتأثيراتها التي تقتضيها باعتبار أوضاعها وطبائعها على ما يزعمه الإحكاميون.
فهذا الذي اختلف في أمره فقال بعضهم بحرمة تعلمه لحديث أبي داود. وابن ماجه السابق والقائل بهذا قائل بحرمة تعلم السحر وهو أحد أقوال في المسألة فيها الإفراط والتفريق، ثانيها أنه مكروه، ثالثها أنه مباح، رابعها أنه فرض كفاية، خامسها أنه كفر والجمهور على الأول ولأن فيه ترويج الباطل وتعريض الجهلة لاعتقاد أن أحكام النجوم المعروفة بين أهلها حق والكواكب مؤثرة بنفسها، وقيل: يحرم تعلمه لأنه منسوخ فقد قال الكرماني في عجائبه: كان علم النجوم علما نبويا فنسخ. وتعقب هذا بأنه لا معنى لنسخ العلم نفسه وإن حمل الكلام على معنى كان تعلمه مباحا فنسخ ذلك إلى التحريم كان في الاستدلال مصادرة، وقال بعضهم: لا حرمة في تعلمه إنما الحرمة في اعتقاد صحة الأحكام وتأثيرات الكواكب على الوجه الذي يقوله جهلة الإحكاميين لا مطلقا، وأجيب عن الخبر السابق بأنه محمول على تعلم شيء من علم النجوم على وجه الاعتناء بشأنه كما يرمز إليه - اقتبس - وذلك لا يتم بدون اعتقاد صحة حكمه وأن الكواكب مؤثرات، وتعلمه على هذا الوجه حرام وبدون مباح وفيه بحث.
وقيل: في الجواب أن الخبر فيمن ادعى علما بحكم من الأحكام آخذا له من النجوم قائلا الأمر كذا ولا بد لأن النجم يقتضيه البتة وهو لا شك في إثمه وحرمة دعواه التي قامت الأدلة على كذبها وهو كما ترى، وكلام بعض