تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٣ - الصفحة ١١٦
القمر مشرقا من مشارق البحر ابتدأ البحر بالمد ولا يزال كذلك إلى أن يصير القمر في وسط سماء ذلك الموضع فإذا زال عن مغرب ذلك الموضع ابتدأ المد من تحت الأرض ولا يزال زائدا إلى أن يصل القمر إلى وتد الأرض فحينئذ ينتهي المد منتهاه ثم يبتدىء الجزر ثانيا ويرجع الماء كما كان، ومثل المد والجزر بحرانات الأمراض فإنها بحسب زيادة القمر ونقصانه على معنى كثرة مدخلية ذلك ظاهرا فيها إلى أمور كثيرة، ولا أقول: إن لكوكب تأثيرا في السعادة والشقاوة ونحوهما، ولا يبعد أن يكون كوكب أو كواكب باعتبار بعض الأحوال علامة لنحو ذلك يعرفها بعض الخواص، ولا وثوق بما قاله الأحكاميون وكل ما يقولونه ظن وتخمين لا دليل لهم عليه وهم فيما أسسوا عليه أحكامهم متناقضون وفي المذاهب مختلفون فللبابليين مذهب وللفرس مذهب ولأهل الهند مذهب ولأهل الصين مذهب وقد رد بعضهم على بعض وشهد بعض على بعض بفساد أصولهم ومبني أحكامهم فقد كان أوائلهم من الأقدمين وكبار رصادهم من عهد بطليموس وطيمو حارس ومانالارس قد حكموا حكما في الكواكب واتفقوا على صحته وأقام الناس على تقليدهم وبناء الأمر على ما قالوه أكثر من سبعمائة سنة فجاء من بعدهم خالد بن عبد الملك المروزي. وحسن صاحب الزيج المأموني. ومحمد بن الجهم. ويحيى بن أبي منصور فامتحنوا ما قالوا فوجدوهم غالطين وأجمعوا على غلطهم وسموا رصدهم الرصد الممتحن.
ثم حدثت ويحيى بن أبي منصور فامتحنوا ما قالوا فوجدوهم غالطين وأجمعوا على غلطهم وسموا رصدهم الرصد الممتحن.
ثم حدثت بعدهم بنحو ستين سنة طائفة أخرى زعيمهم أبو معشر محمد بن جعفر فرد عليهم وبين خطاهم كما ذكره أبو سعيد شاذان المنجم في كتاب " أسرار النجوم " له وفيه قلت لأبي معشر الذنب بارد يابس فلم قلتم إنه يدل على التأنيث؟ فقال: هكذا قالوا قلت: فقد قالوا انه ليس بصادق اليبس لكنه بارد عفن ملتوي كل الأعراض الغائية توهم لا يكون شيء منها يقينيا وإنما يكون توهم أقوى من توهم.
ومن تأمل أحوال القوم علم أن ما معهم تفرس يصيبون معه ويخطؤون، ثم حدثت بعدهم طائفة أخرى بنحو سبعين سنة منهم أبو الحسين عبد الرحمن بن عمر المعروف بالصوفي فرد على من قبله وغلطه وألف كتابا بين فيه من الأغلاط ما بين وحمله إلى عضد الدولة ابن بويه فاستحسنه وأجزل ثوابه، ثم جاءت بعد نحو ثلاثين سنة طائفة أخرى منهم كوشيار الديلمي فألف المجمل في الأحكام وجهل فيه من يحتج للأحكام من الأحكاميين، وقال عن صناعة التنجيم: هي صناعة غير مبرهنة وللخواطر والظنون فيها مجال إلى أن قال: ومن المنفردين بعلم الأحكام من يأتي على جزئياته بحجج على سبيل النظر والجدل فيظن أنها براهيم لجهله بطريق البرهان وطبيعته، ثم حدثت طائفة أخرى منهم منجم الحاكم بالديار المصرية المعروف بالفكري فوضع هو وأصحابه رصدا آخر سموه الرصد الحاكمي فخالفوا فيه أصحاب الرصد الممتحن وبنوا أمر الأحكام عليه.
ثم حدثت طائفة أخرى منهم أبو الريحان البيروتي مؤلف كتاب " التفهيم إلى صناعة التنجيم " وكان بعد كوشيار بنحو أربعين سنة فخالف من تقدمه وأتي من مناقضاتهم والرد عليهم بما هو دال على فساد صناعتهم وختم كتابه بقوله في الخبء والضمير ما أكثر افتضاح المنجمين فيه وما أكثر إصابة الزاجرين بما يستعمل من الكلام وقت السؤال ويرونه باديا من الآثار والأفعال على السائل إلى آخر ما قال، ثم حدثت طائفة أخرى منهم أبو الصلت أمية بن عبد العزيز الأندلسي وكان بعد البيروتي بنحو ثمانين عاما وكان رأسا في الصناعة ومع هذا اعترف بأن قول المنجمين هذيان، ثم حدثت طائفة أخرى بالمغرب منهم أبو اسحق الزر قال
(١١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 111 112 113 114 115 116 117 118 119 120 121 ... » »»