الصابرين بل أخرج الكلام على وجه لا يشعر بوجود صابر سواه لم يتيسر له الصبر مع أنه لم يهمل أمر الاستثناء. وفيه أيضا إغراء لأبيه عليه السلام على الصبر لما يعلم من شفقته عليه مع عظم البلاء حيث أشار إلى أن لله تعالى عبادا صابرين وهي زهرة ربيع لا تتحمل الفرك.
* (فلما أسلما وتله للجبين) *.
* (فلما أسلما) * أي استسلما وانقادا لأمر الله تعالى فالفعل لازم أو سلم الذبيح نفسه وإبراهيم ابنه على أنه متعد والمفعول محذوف.
وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه. وابن عباس. وعبد الله. ومجاهد. والضحاك. وجعفر بن محمد. والأعمش. والثوري * (سلما) * وخرجت على ما سمعت، ويجوز أن يكون المعنى فوضا إليه تعالى في قضائه وقدره، وقرىء * (استسلما) * وأصل الأفعال الثلاثة سلم هذا لفلان إذا خلص له فإنه سلم من أن ينازع فيه * (وتله للجبين) * صرعه على شقه فوقع جبينه على الأرض، وأصل التل الرمي على التل وهو التراب المجتمع ثم عمم في كل صرع، والجبين أحد جانبي الجبهة وشذ جمعه على أجبن وقياسه في القلة أجبنة ككثيب وأكثبة وفي الكثرة جبنان وجبن ككثبان وكثب، واللام لبيان ما خر عليه كما في قوله تعالى: * (يخرون للأذقان) * (الإسراء: 107) وقوله: وخر صريعا لليدين وللفم وليست للتعدية، وقيل المراد كبه على وجهه وكان ذلك بإشارة منه. أخرج غير واحد عن مجاهد أنه قال لأبيه: لا تذبحني وأنت تنظر إلى وجهي عسى أن ترحمني فلا تجهز علي اربط يدي إلى رقبتي ثم ضع وجهي للأرض ففعل فكان ما كان، ولا يخفى أن إرادة ذلك من الآية بعيد، نعم لا يبعد أن يكون الذبيح قال هذا.
وفي الآثار حكاية أقوال غير ذلك أيضا، منها ما في خبر للسدي أنه قال لأبيه عليهما السلام: يا أبت اشدد رباطي حتى لا اضطرب واكفف عني ثيابك حتى لا ينتضح عليها من دمي شيء فتراه أمي فتحزن وأسرع مر السكين على حلقي فيكون أهون للموت علي فإذا أتيت أمي فاقرأ عليها السلام مني فأقبل عليه إبراهيم يقبله. وكل منهما يبكي، ومنها ما في حديث أخرجه أحمد. وجماعة عن ابن عباس أنه قال لأبيه وكان عليه قميص أبيض يا أبت ليس لي ثوب تكفنني فيه غيره فاخلعه حتى تكفنني فيه فعالجه ليخلعه فكان ما قص الله عز وجل.
وكان ذلك عند الصخرة التي بمنى، وعن الحسن في الموضع المشرف على مسجد منى، وعن الضحاك في المنحر الذي ينحر فيه اليوم، وقيل كان ببيت المقدس وحكي ذلك عن كعب، وحكى الإمام مع هذا القول أنه كان بالشام.
* (وناديناه أن ياإبراهيم * قد صدقت الرؤيآ إنا كذلك نجزى المحسنين) *.
* (وناديناه أن يا إبراهيم * قد صدقت الرؤيا) * قيل ناداه من خلفه ملك من قبله تعالى بذلك، و * (أن) * مفسرة بمعنى أي وقرأ زيد بن علي قد صدقت بحذفها، وقرىء * (صدقت) * بالتخفيف، وقرأ فياض * (الريا) * بكسر الراء والإدغام، وتصديقه عليه السلام الرؤيا توفيته حقها من العمل وبذل وسعه في إيقاعها وذلك بالعزم والإتيان بالمقدمات ولا يلزم فيه وقوع ما رآه بعينه، وقيل هو إيقاع تأويلها وتأويلها ما وقع، ويفهم من كلام الإمام أنه الاعتراف بوجوب العمل بها، ولا يدل على الإتيان بكل ما رآه في المنام، وهل أمر عليه السلام الشفرة على حلقه أم لا قولان ذهب إلى الثاني منهما كثير من الأجلة، وقد أخرج الإمام أحمد عن ابن عباس أنه عليه السلام لما أخذ الشفرة وأراد أن يذبحه نودي من خلفه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا، وأخرج هو. وابن جرير. وابن أبي حاتم. والطبراني. وابن مردويه. والبيهقي في " شعب الإيمان " عنه أنه عالج قميصه ليخلعه فنودي بذلك.
وأخرج ابن المنذر. والحاكم وصححه من طريق مجاهد عنه أيضا فلما أدخل يده ليذبحه فلم يحمل المدية حتى نودي أن يا أبراهيم قد صدقت الرؤيا فأمسك يده، وأخرج عبد بن حميد. وغيره عن مجاهد فلما أدخل يده ليذبحه