تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٣ - الصفحة ١١٥
به معولين في معرفة المصالح عليه إلى آخر ما قال ففرية من غير مرية، ويا عجبا من دعواه إطباق أهل المشرق والمغرب من أول بناء العالم إلى آخره عليه وهم يقولون إنما أسست أصوله وأوضاعه في زمن هرمس الهرامس يعنون به إدريس عليه السلام وهو بعد بناء العالم بكثير، وأيضا قد رده كثير من الفلاسفة وجمع غفير من أساطين الإسلام حتى أنه قد ألف ما يزيده على مائة مصنف في رده وأبطاله، وقد قال أبو نصر الفارابي: اعلم أنك لو قلبت أوضاع المنجمين فجعلت الحار باردا والبارد حارا والسعد نحسا والنحس سعدا والذكر أنثى والأنثى ذكرا ثم حكمت لكانت أحكامك من جنس أحكامهم تصيب تارة وتخطىء تارات، وقد زيف أمرهم ابن سينا في كتابيه الشفاء والنجاة، وكذا أبو البركات البغدادي في كتاب " التعبير له "، هذا ما اختاره بعض المحققين في الرد على المنجمين وأعود فأقول: الذي أراه في هذا المقام ويترجح عندي من كلام العلماء الأعلام أن الله عز وجل لم يخلق شيئا باطلا خاليا عن حكمة ومنفعة بل خلق الأشياء علويها وسفليها جليلها ودنيها مشتملة على حكم لا تحصى ومنافع لا تستقصى وإن تفاوتت في أفرادها قلة وكثرة وخص كلا منها بخاصة لا توجد في غيرها مع اشتراك الكل في الدلالة على وجوده تعالى ووحدته وعلمه وقدرته: / جسم] ولله في كل تحريكة * وتسكينة أبدا شاهد وفي كل شيء له آية * تدل على أنه واحد فالاجرام العلوية مشتركة في هذه الدلالة مختص كل منها بخاصة وشأن الكواكب في خواصها وتأثيراتها كشأن النباتات والمعدنيات والحيوانيات في خواصها وتأثيراتها، فمنها ما خاصته في نفسه غير متوقفة على ضم شيء آخر إليه، ومنها ما خاصته متوقفة على ضم شيء آخر، ومنها ما إذا ضم إليه شيء أسقط خاصته، وأبطل منفعته ومنها ما يعقل وجه تأثيره ومنها ما لا يعقل، ومنها ما يؤثر في مكان دون مكان وزمان دون زمان، ومنها ما يؤثر في جميع الأزمنة والأمكنة إلى غير ذلك من الأحوال، وكونها زينة للسماء لا يستدعي نفي أنه يكون فيها منفعة أخرى على حد ما في الأرض فقد قال سبحانه: * (إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها) * (الكهف: 7) مع اشتمال الأزهار وغيرها على ما تعلم وما لا تعلم من المنافع، وكذلك كونها علامات يهتدي بها في ظلمات البر والبحر وكونها رجوما للشياطين. ولا أقول ببساطة الأفلاك ولا ببساطة الكواكب ولا بانحصارها فيما يشاهد ببصر أو رصد ولا بذكورة بعض وأنوثة آخر إلى كثير مما يزعمه المنجمون، وأقول: إن الله تعالى أودع في بعضها تأثيرا حسبما أودع في أزهار الأرض ونحوها وانها لا تؤثر إلا باذنه عز وجل كما هو مذهب السلف في سائر الأسباب العادية وإن شئتفقل كما قال الأشاعرة فيها، وأنه لا يبعد أن يكون بعضها علامات لاحداثه تعالى أمورا لا بواسطتها في أحد العاملين العلوي والسفلي يعرفها من يوقفه الله تعالى عليها من ملائكته وخواص عباده، وارتباط كثير من السفليات بالعلويات مما قال به الأكابر ولا ينكره إلا مكابر، ولا أنسب أثرا من الآثار إلى كوكب بخصوصه على القطع لاحتمال شركة كوكب أو أمر آخر، نعم الظاهر يقتضي كثرة مدخلية بعض الكواكب في بعض الآثار كالقمر في مد البحار وجزرها فإن منها ما يأخذ في الازدياد حين يفارق القمر الشمس إلى وقت الامتلاء ثم إنه يأخذ في الانتقاص ولا يزال نقصانه يستمر بحسب نقصان القمر إلى المحاق ومنها ما يحصل فيه المد في كل يوم وليلة مع طلوع القمر وغروبه كبحر فارس وبحر الهند وبحر الصين، وكيفيته إنه إذا بلغ
(١١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 110 111 112 113 114 115 116 117 118 119 120 ... » »»