تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٣ - الصفحة ١٠٧
هذا الغرض، وذكر الإمام الرازي عليه الرحمة أن المثبتين لعلم الأحكام والتأثيرات أي من الإسلاميين احتجوا من كتاب الله تعالى بآيات وهي أنواع، الأول: الآيات الدالة على تعظيم الكواكب فمنها قوله تعالى: * (فلا أقسم الخنس * الجواري الكنس) * (التكوير: 15، 16) وأكثر المفسرين على أن المراد هو الكواكب التي تصير راجعة تارة ومستقيمة أخرى، ومنها قوله تعالى: * (فلا أقسم بمواقع النجوم * وإنه لقسم لو تلعمون عظيم) * (الواقعة: 75، 76) وقد صرح سبحانه بتعظيم هذا القسم وذلك يدل على غاية جلالة مواقع النجوم ونهاية شرفها، ومنها قوله تعالى: * (والسماء والطارق * وما أدراك ما الطارق * النجم الثاقب) * (الطارق: 1 - 3) قال ابن عباس: الثاقب هو زحل لأنه يثقب بنوره سمك السموات السبع، ومنها قوله تعالى: * (والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين) * (الأعراف: 54) فقد بين سبحانه إلهيته بكون هذه الكواكب تحت تدبيره وتسخيره، النوع الثاني: ما يدل على وصفه تعالى بعض الأيام بالنحوسة كقوله سبحانه: * (فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات) * (فصلت: 16) النوع الثالث: الآيات الدالة على أن لها تأثيرا في هذا العالم كقوله تعالى: * (فالمدبرات أمرا) * (النازعات: 5) وقوله تعالى: * () * فالمقسمات أمرا (الذاريات: 4) قال بعضهم المراد هذه الكواكب.
الرابع: الآيات الدالة على أنه تعالى جعل حركات هذه الأجرام وخلقها على وجه ينتفع بها في مصالح هذا العالم كقوله تعالى: * (هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق) * (يونس: 10) وقوله تعالى: * (تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا) * (الفرقان: 61).
النوع الخامس: أنه تعالى حكى عن إبراهيم عليه السلام أنه تمسك بعلم النجوم فقال سبحانه: * (فنظر نظرة في النجوم * فقال إني سقيم) * (الصافات: 88، 89) السادس: أنه تعالى قال: * (لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون) * (غافر: 57) ولا يكون المراد كبر الجثة لأن كل أحد يعلمه فوجب أن يكون المراد كبر القدر والشرف، وقال سبحانه: * (ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا) * (آل عمران: 191) ولا يجوز أن يكون المراد أنه تعالى خلقها ليستدل بتركيبها وتأليفها على وجود الصانع لأن هذا القدر حاصل في تركيب البعوضة ودلالة حصول الحياة في بنية الحيوانات على وجود الصانع أقوى من دلالة تركيب الأجرام الفلكية عليه لأن الحياة لا يقدر عليها غيره تعالى وجنس التركيب يقدر عليه الغير فلما خصها سبحانه وتعالى بهذا التشريف المستفاد من قوله تعالى: * (ربنا ما خلقت هذا باطلا) * (آل عمران: 191) علمنا أن في تخليقها أسرارا عالية وحكما بالغة تتقاصر عقول البشر عن إدراكها، ويقرب من هذه الآية قوله تعالى: * (وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا) * (ص: 27) ولا يمكن أن يكون المراد أنه تعالى خلقها على وجه يمكن الاستدلال بها على وجود الصانع الحكيم لأن كونها دالة على الافتقار إلى الصانع أمر ثابت لها لذاتها لأن كل متحيز محدث وكل محدث مفتقر إلى الفاعل فثبت أن دلالة المتحيزات على وجود الفاعل أمر ثابت لها لذواتها وأعيانها وما كان كذلك لم يكن سبب الفعل والجعل فلم يمكن حمل الآية على هذا الوجه فوجب حملها على الوجه الذي ذكر.
النوع السابع: روي أن عمر بن الخيام كان يقرأ كتاب المجسطي على أستاذه فدخل عليهم واحد من المتفقهة فقال: ما تقرءون؟ فقال عمر: نحن في تفسير آية من كتاب الله تعالى: * (أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج) * (ق: 6) فنحن ننظر كيف خلق السماء وكيف بناها وكيف صانها عن الفروج.
الثامن: أن إبراهيم عليه السلام لما استدل على إثبات الصانع تعالى بقوله: * (ربي الذي يحيي ويميت) * (البقرة: 258) قال له نمروذ:
(١٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 102 103 104 105 106 107 108 109 110 111 112 ... » »»