تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٢ - الصفحة ٩٦
تعالى متضمن أنه تعالى انتقم له ممن آذاه واتباع الأمر الوعد البليغ فيقوي الصارف عن الأذى والداعي إلى تركه انتهى فلا تغفل.
* (إنا عرضنا الامانة على السم‍اوات والارض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنس‍ان إنه كان ظلوما جهولا) *.
* (إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها) * لما بين جل شأنه عظم شأن طاعة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ببيان مآل الخارجين عنها من العذاب الأليم ومنال المراعين لها من الفوز العظيم عقب ذلك عظم شأن ما يوجبها من التكاليف الشرعية وصعوبة أمرها بطريق التمثيل مع الإيذان بأن ما صدر عنهم من الطاعة وتركها صدر عنهم بعد القبول والالتزام من غير جبر هناك ولا إبرام، وعبر عنها بالأمانة وهي في الأصل مصدر كالأمن والأمان تنبيها على أنها حقوق مرعية أودعها الله تعالى المكلفين وائتمنهم عليها وأوجب عليهم تلقيها بحسن الطاعة والانقياد وأمرهم بمراعاتها والمحافظة عليها وأدائها من غير إخلال بشيء من حقوقها، وعبر عن اعتبارها بالنسبة إلى الاستعداد ما ذكر من السماوات وغيرها من حيث الخصوصيات بالعرض عليهن لإظهار مزيد الإعتناء بأمرها والرغبة في قبولهن لها، وعن عدم استعدادهن لقبولها ومنافاتها لما هن عليه بالإباء والإشفاق منها لتهويل أمرها وتربية فخامتها وعن قبولها بالحمل لتحقيق معنى الصعوبة المعتبرة فيها بجعلها من قبيل الأجسام الثقيلة، والمعنى أن تلك الأمانة في عظم الشأن بحيث لو كلفت هاتيك الأجرام العظام التي هي مثل في القوة والشدة مراعاتها وكانت ذات شعور وإدراك لأبين قبولها وخفن منها لكن صرف الكلام عن سننه بتصوير المفروض بصورة المحقق لزيادة تحقيق المعنى المقصود وتوضيحه.
* (وحملها الإنسان) * أي هذا الجنس نحو * (إن الإنسان لربه لكنود) * (العاديات: 6) و * (إن الإنسان ليطغى) * (العلق: 6) وحمله إياها إما باعتبارها بالإضافة إلى استعداده أو بتكليفه إياها يوم الميثاق أي تكلفها والتزامها مع ما فيه من ضعف البنية ورخاوة القوة، وهو إما عبارة عن قبولها بموجب استعداده الفطري أو عن القبول القولي يوم الميثاق، وتخيص الإنسان بالذكر مع أن الجن مكلفون أيضا وكذا الملائكة عليهم السلام وإن لم يكن في ذلك كلفة عليهم لما أنه ليس فيه ما يخالف طباعهم لأن الكلام معه، وقوله تعالى: * (إنه كان ظلوما جهولا) * اعتراض وسط بين الحمل وغايته للإيذان من أول الأمر بعدم وفائه بما تحمل، والتأكيد لمظنة التردد أي إنه كان مفرطا في الظلم مبالغا فيالجهل أي بحسب غالب أفراده الذين لم يعملوا بموجب فطرتهم السليمة أو قبولهم السابق دون من عداهم من الذين لم يبدلوا فطرة الله تعالى تبديلا، ويكفي في صدق الحكم على الجنس بشيء وجوده في بعض أفراده فضلا عن وجوده في غالبها، وإلى الفريق الأول أشير بقوله تعالى:
* (ليعذب الله المن‍افقين والمن‍افق‍ات والمشركين والمشرك‍ات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمن‍ات وكان الله غفورا رحيما) *.
* (ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات) * أي حملها الإنسان ليعذب الله تعالى بعض أفراده الذين لم يراعوها ولم يقابلوها بالطاعة على أن اللام للعاقبة فإن التعذيب وإن لم يكن غرضا من الحمل لكن لما ترتب عليه بالنسبة إلى بعض أفراده ترتب الأغراض على الأفعال المعلقة بها أبرز في معرض الغرض أي كان عاقبة حمل الإنسان لها أن يعذب الله تعالى هؤلاء من أفراده لخيانتهم الأمانة وخروجهم عن الطاعة بالكلية، وإلى الفريق الثاني أشير بقوله سبحانه: * (ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات) * أي كان عاقبة حمله لها أن يتوب الله تعالى على هؤلاء من أفراده أي يقبل توبتهم لعدم خلعهم ربقة الطاعة عن رقابهم بالمرة
(٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 ... » »»