وحسده لحب بني إسرائيل له وكان هارون أكف عنهم وألين لهم وكان في موسى بعض الغلظة عليهم فلما بلغه ذلك قال: ويحكم إنه كان أخي أفتروني أقتله فلما أكثروا عليه قام فصلى ركعتين ثم دعا الله تعالى فنزل بالسرير حتى نظروا إليه بين السماء والأرض فصدقوه، وقيل: ما نسبوه إليه عليه السلام من الزنا وحاشاه، روى أن قارون أغرى مومسة على قذفه عليه السلام بنفسها ودفع إليها مالا عظيما فأقرت بالمصانعة الجارية بينها وبين قارون وفعل به ما فعل كما فصل في سورة القصص، ويبعد هذا القول تبعيدا ما جمع الموصول، وقيل: ما نسبوه إليه من السحر والجنون، وقيل: ما حكى عنهم في القرآن من قولهم: * (اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون) * (المائدة: 24) وقولهم * (لن نصبر على طعام واحد) * (البقرة: 61) وقولهم: * (لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة) * (البقرة: 55) إلى غير ذلك، ويمكن حمل ما قالوا على جميع ما ذكر.
* (وكان عند الله وجيها) * أي كان ذا جاه ومنزلة عنده عز وجل، وفي معناه قول قطرب: كان رفيع القدر ونحوه قول ابن زيد: كان مقبولا، وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن أنه قال وجيها مستجاب الدعوة وزاد بعضهم ما سأل شيئا إلا أعطى إلا الرؤية في الدنيا، ولا يخفى أن استجابة الدعوة من فروع رفعة القدر، وقيل: وجاهته عليه السلام أن الله تعالى كلمه ولقب كليم الله، وقرأ ابن مسعود. والأعمش. وأبو حيوة * (عبدا) * من العبودة * (لله) * بلام الجر فيكون عبدا خر كان ووجيها صفة له وهي قراءة شاذة، وفي صحة القراءة الشواذ كلام.
قال ابن خالويه: صليت خلف ابن شنبوذ في شهر رمضان فسمعته يقرأ وكان * (عبد الله) * على قراءة ابن مسعود ولعل ابن شنبوذ ممن يرى صحة القراءة بها مطلقا، ويحتمل مثل ذلك في ابن خالويه وإلا فقد قال الطيبي قال " صاحب الروضة ": وتصح بالقراءة الشاذة إن لم يكن فيها تغيير معنى ولا زيادة حرف ولا نقصان، وههنا بين المعنيين بون كما يشير إليه كلام الزمخشري ونحوه عن ابن جني.
* (ياأيها الذين ءامنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا) *.
* (يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله) * في كل ما تأتون وتذرون لا سيما في ارتكاب ما يكرهه تعالى فضلا عما يؤذي رسوله وحبيبه صلى الله عليه وسلم * (وقولوا) * في كل شأن من الشؤن * (قولا سديدا) * قاصدا ومتوجها إلى هدف الحق من سد يسد بقكسر السين سدادا بفتحها يقال سدد سهمه إذا وجهه للغرض المرمي ولم يعدل به عن سمته، والمراد على ماقيل نهيهم عن ضد هذا القول وهو القول الذي ليس بسديد ويدخل فيه ما صدر منهم في قصة زينب من القول الجائر عن العدل والقصد وكذا كل قول يؤذيه عليه الصلاة والسلام، وعن مقاتل. وقتادة أن المعنى وقولوا قولا سديدا في شأن الرسول عليه الصلاة والسلام. وزيد. وزينب، وعن ابن عباس. وعكرمة تخصيص القول السديد بلا إله إلا الله، وقيل: هو ما يوافق ظاهره باطنه، وقيل: ما فيه إصلاح، ولعل ما أشرنا إليه هو الأولى.
* (يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما) *.
* (يصلح لكم أعمالكم) * بالقبول والإثابة عليها على ما روى عن ابن عباس. ومقاتل، وقيل إصلاح الأعمال التوفيق في المجيء بها صالحة مرضية.
* (ويغفر لكم ذنوبكم) * ويجعلها مكفرة باستقامتكم في القول والعمل * (ومن يطع الله ورسوله) * في الأوامر والنواهي التي من جملتها ما تضمنته هذه الآيات * (فقد فاز) * في الدارين * (فوزا عظيما) * لا يقادر قدره ولا تبلغ غايته.
قال في " الكشاف " وهذه الآية يعني * (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله) * إلى آخرها مقررة للتي قبلها بنيت تلك على النهي عما يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه على الأمر باتقاء الله تعالى في حفظ اللسان ليترادف عليهم النهي والأمر مع اتباع النهي ما يتضمن الوعيد من قصة موسى عليه السلام لأن وصفه بوجهاته عند الله