تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٢ - الصفحة ٩٢
أنفسهم وهم المنافقون في الآية، ونفاق الذين في قلوبهم مرض وهم منافقون إن تيسر لهم الزنا عملوه وإن لم يتيسر لم يتبعوه ويهتموا بأمره، ونفاق المرجفين وهم منافقون يكابرون النساء يقتصون أثرهن فيغلبوهن على أنفسهن فيفجرون بهن، وهؤلاء الذين يكابرون النساء * (لنغرينك بهم) * يقول سبحانه لنعلمنك بهم ثم قال تعالى: * (ملعونين) * ثم فصلت الآية * (أينما ثقفوا) * يعملون هذا العمل مكابرة النساء * (أخذوا وقتلوا تقتيلا) * ثم قال السدي: هذا حكم في القرآن ليس يعمل به لو أن رجلا وما فوق اقتصوا أثرا امرأة فغلبوها على نفسها ففجروا بها كان الحكم فيهم غير الجلد والرجم وهو أن يؤخذوا فتضرب أعناقهم سنة الله في الذين خلوا من قبل كذلك كان يفعل بمن مضى من الأمم ولن تجد لسنة الله تبديلا فمن كابر امرأة على نفسها فغلبها فقتل فليس على قاتله دية لأنه يكابر انتهى، والظاهر أنه قد وقع الانتهاء من المنافقين والذين في قلوبهم مرض عما هو المقصود بالنهي وهو ما يستتبعه حالهم من الإيذاء ولم يقع من المرجفين أعني اليهود فوقع القتال والإجلاء لهم.
وفي البحر الظاهر أن المنافقين يعني جميع من ذكر في الآية انتهوا عما كانوا يؤذون به الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وتستر جميعهم وكفوا خوفا من أن يقع بهم ما وقع القسم عليه وهو الإغراء والإجلاء والقتل. وحكى ذلك عن الجبائي، وعن أبي مسلم لم ينتهوا وحصل الإغراء بقوله تعالى: * (جاهد الكفار والمنافقين) * ( التوبة: 73) وفيه أن الإجلاء والقتل لم يقعا للمنافقين والجهاد في الآية قولي، وقيل: إنهم لم يتركوا ما هم عليه ونهوا عنه جملة ولا نفذ عليهم الوعيد كاملا ألا ترى إلى إخراجهم من المسجد ونهيه تعالى عن الصلاة عليهم وما نزل في سورة براءة، وزعم بعضهم أنه لم ينته أحد من المذكورين أصلا ولم ينفذ الوعيد عليهم ففيه دليل على بطلان القول بوجوب نفاذ الوعيد في الآخرة ويكون هذا الوعيد في الآخرة ويكون هذا الوعيد مشروطا بالمشيئة وفيه من البعد ما فيه.
* (يس‍الك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا) *.
* (يسألك الناس عن الساعة) * أي عن وقت قيامها ووقوعها، كان المشركون يسألونه صلى الله عليه وسلم عن ذلك استعجالا بطريق الاستهزاء والمنافقون تعنتا واليهود امتحانا لما أنهم يعلمون من التوراة أنها مما أخفاه الله تعالى فيسألونه عليه الصلاة والسلام ليمتحنوه هل يوافقها وحيا أو لا * (قل إنما علمها عند الله) * لا يطلع سبحانه عليه ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا * (وما يدريك) * خطاب مستقل له صلى الله عليه وسلم غير داخل تحت الأمر مسوق لبيان أنها مع كونها غير معلومة مرجوة المجىء عن قريب، وما استفهام في موضع الرفع بالابتداء والجملة بعده خبر أي أي شيء يعلمك بوقت قيامها، والمعنى على النفي أي لا يعلمنك به شيء أصلا.
* (لعل الساعة تكون قريبا) * أي لعلها توجد وتتحق في وقت قريب فقريبا منصوب على الظرفية واستعماله كذلك كثير، و * (تكون) * تامة ويجوز أن تكون ناقصة وإذا كان * (قريبا) * الخبر واعتبر وصفا لا ظرفا فالتذكير لكونه في الأصل صفة لخبر مذكر يخبر به عن المؤنث وليس هو الخبر أي لعل الساعة تكون شيئا قريبا، وجوزأن يكون ذلك رعاية للمعنى من حيث أن الساعة بمعنى اليوم أو الوقت.
وقال أبو حيان: يجوز أن يكون ذلك لأن التقدير لعل قيام الساعة فلوحظ الساعة في تكون فأنث ولوحظ المضاف المحذوف وهو قيام في * (قريبا) * فذكر، ولا يخفى بعده، وقيل إن قريبا لكونه فعيلا يستوي فيه المذكر والمؤنث كما في قوله تعالى: * (إن رحمة الله قريب من المحسنين) * (الأعراف: 56) وقد تقدم ما في ذلك، وفي الكلام تهديد للمستعجبين
(٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 ... » »»