تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٢ - الصفحة ٩٤
عن الطريق الحق بما دعونا إليه وزينوه لنا من الأباطيل، والألف للإطلاق كما في * (وأطعنا الرسولا) *.
* (ربنآ ءاتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا) *.
* (ربنا ءاتهم ضعفين من العذاب) * أي عذابين يضاعف كل واحد منهما الآخر عذابا على ضلالهم في أنفسهم وعذابا على إضلالهم لنا * (والعنهم لعنا كبيرا) * أي شديد عظيما فإن الكبر يستعار للعظمة مثل * (كبرت كلمة) * ويستفاد التعظيم من التنوين أيضا، وقرأ الأكثر * (كثيرا) * بالثاء المثلثة أي كثير العدد، وتصدير الدعاء بالنداء مكررا للمبالغة في الجؤار واستدعاء الإجابة.
* (ياأيها الذين ءامنوا لا تكونوا ك الذين ءاذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها) *.
* (يا أيها الذين ءامنوا لا تكونوا كالذين ءاذوا موسى) * قيل نزلت فيما كان من أمر زينب بنت جحش رضي الله تعالى عنها وتزوجه صلى الله عليه وسلم بها وما سمع في ذلك من كلام آذاه عليه الصلاة والسلام * (فبرأه الله مما قالوا) * أي من قولهم أو الذي قالوه وأيا ما كان فالقول هنا بمعنى المقول، والمراد به مدلوله الواقع في الخارج وبتبرئة الله تعالى إياه من ذلك إظهار براءته عليه السلام منه وكذبهم فيما أسندوا إليه لأن المرتب على أذاهم ظهور براءته لا براءته لأنها مقدمة عليه، واستعمال الفعل مجازا عن إظهاره، والمقول بمعنى المضمون كثير شائع، فالمعنى فأظهر الله تعالى براءته من الأمر المعيب الذي نسبوه إليه عليه السلام.
وقيل: لا حاجة إلى ما ذكر فإنه تعالى لما أظهر براءته عما افتروه عليه انقطعت كلماتهم فهي فبرىء من قولهم على أن * (برأه بمعنى خلصه من قولهم لقطعه عنه، وتعقب بأنه مع تكلفه لأن قطع قولهم ليس مقصودا بالذات بل المراد انقطاعه لظهور خلافه لا بد من ملاحظة ما ذكر، والمراد بالأمر الذي نسبوه إليه عليه السلام عيب في بدنه.
أخرج الإمام أحمد. والبخاري. والترمذي. وجماعة من طريق أبي هريرة قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن موسى عليه السلام كان رجلا حييا ستيرا لا يرى من جلده شيء استحياء منه فآذاه من آذاه من بني إسرائيل وقالوا ما يستتر هذا الستر إلا من عيب بجلده إما برص وإما أدرة وإما آفة وإن الله تعالى أراد أن يبرئه مما قالوا وأن موسى عليه السلام خلا يوما وحده فوضع ثيابه على حجر ثم اغتسل فلما فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها وأن الحجر غدا بثوبه فأخذ موسى عليه السلام عصاه وطلب الحجر فجعل يقول ثوبي حجر ثوبي حجر حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل فرأوه عريانا أحسن ما خلق الله تعالى وبرأه مما يقولون وقام الحجر فأخذ ثوبه فلبسه وطفق بالحجر ضربا بعصاه فذلك قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأء الله مما قالوا) * (الأحزاب: 69).
وقيل: إن ذلك ما نسبوه إليه عليه السلام من قتل هارون، أخرج ابن منيع. وابن جرير. وابن المنذر. وابن أبي حاتم. وابن مردويه. والحاكم وصححه عن ابن عباس عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه قال في الآية: صعد موسى وهارون عليهما السلام الجبل فمات هارون فقالت بنو إسرائيل لموسى أنت قتلته كان أشد حبا لنا منك وألين فآذوه، من ذلك فأمر الله تعالى الملائكة عليهم فحملوه فمروا به على مجالس بني إسرائيل وتكلمت الملائكة عليهم السلام بموته فبرأه الله تعالى فانطلقوا به فدفنوه ولم يعرف قبره إلا الرخم وإن الله تعالى جعله أصم أبكم، وفي رواية عن ابن عباس. وأناس من الصحابة أن الله تعالى أوحى إلى موسى إني متوف هارون فأت جبل كذا فانطلقا نحو الجبل فأذاهم بشجرة وبيت فيه سرير عليه فرش وريح طيبة فلما نظر هارون إلى ذلك الجبل والبيت وما فيه أعجبه فقال يا موسى إني أحب أن أنام على هذا السرير قال نم عليه قال نم معي فلما نام أخذ هارون الموت فلما قبض رفع ذلك البيت وذهبت تلك الشجرة ورفع السرير إلى السماء فلما رجع موسى إلى بني إسرائيل قالوا قتل هارون
(٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 ... » »»