تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٢ - الصفحة ١٠١
ووسعني قلب عبدي المؤمن التقي النقي الوادع " وهو محل نظر الحق ومنصة تجليه ومهبط أمره ومنزل تدليه واللحم الصنوبري أحقر من حيث صورته أن يكون محل سره جل وعلا فضلا عن أن يسعه سبحانه ويكون مطمح نظره الأعلى ومستواه، وادعوا أن تسمية ذلك الصنوبري الشكل بالقلب على سبيل المجاز باعتبار تسمية الصفة والحامل باسم الموصوف والمحمول * (وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم وما جعل أدعياءكم أبناءكم) * (الأحزاب: 4) فيه أن الحقائق لا تنقلب وأن في القرابة النسبية خواص لا تكون في القرابة السببية فأين الأزواج من الأمهات والأدعياء من الأبناء فالأمهات أصول ولا كذلك الأزواج والأبناء فروع ولا كذلك الأدعياء، ومن هنا قيل: الولد سر أبيه، وقد أورده الشمس الفناري في مصباح الأنس حديثا بصيغة الجزم من غير عزو ولا سند ولا يصح ذلك عند المحدثين، وهو إشارة إلى الأوصاف والأخلاق والكمالات التي يحصلها الولد بالسراية من والده لا بواسطة توجه القلب إلى حضرة الغيب الإلهي وعالم المعاني فإنه باعتبار ذلك قد تحصل للولد أوصاف وأخلاق على خلاف حال والده، ومنه يظهر سر * (يخرج الحي من الميت) * (الأنعام: 95) * (فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم) * (الأحزاب: 5) فيه إشارة إلى أن للدين نوعا من الأبوة ولهذا قد يقع به التوارث * (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) * (الأحزاب: 6) لأنه عليه الصلاة والسلام يحب لهم فوق ما يحبون لها ويسلك بهم المسلك الذي يوصلهم إلى الحياة الأبدية * (وإذا أخذنا من النبيين ميثاقهم) * أي في الأزل إذ كانوا أعيانا ثابتة أو يوم الميثاق إذ صار لهم نوع تعين " ليسئل الصادقين عن صدقهم " سؤال تشريف لا تعنيف، والصدق على ما قالوا أن لا يكون في أحوالك شوب ولا في أعمالك عيب ولا في اعتقادك ريب، ومن أماراته وجود الإخلاص من غير ملاحظة المخلوق وتصفية الأحوال من غير مداخلة إعجاب وسلامة القول من المعاريض والتباعد عن التلبيس فيما بين الناس وإدامة التبري من الحول والقوة بل الخروج من الوجود المجازي شوقا إلى الوجود الحقيقي * (يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذا جاءتكم جنود) * (الأحزاب: 9) الخ طبق بعضهم ما تضمنته الآيات من قصة الأحزاب على ما في الأنفس ولا يخفى حاله، ومن غريب ما رأيت أن الشيخ محيي الدين قدس الله سره قسم الأولياء إلى أقسام وجعل منهم قسما يقال لهم اليثربيون وقال: هم قوم من الأولياء لا مقام لهم كما لسائر الأولياء وجعل قول المنافقين: * (يا أهل يثرب لا مقام لكم) * (الأحزاب: 13) إشارة إلى ذلك، وكم قول غريب لهذا الشيخ غفر الله تعالى له: * (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا) * (الأحزاب: 21) لأنه عليه الصلاة والسلام أكمل الخلق على الإطلاق وأحظى الناس بإشراق أنوار أخلاقه عليه الذين يرجون الله تعالى واليوم الآخر ويذكرونه عز وجل كثيرا لصقالة قلوبهم وقوة استعدادها لإشراق الأنوار وظهور الآثار * (من المؤمنين رجال) * (الأحزاب: 22) أي رجال كاملون، وقول بعضهم: أي متصرفون في الموجودات تصرف الذكور في الإناث كلام بشع تنقبض منه ككثير من كلام المتصوفة قلوب المقتفين للسلف الصالح.
* (يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا) * (الأحزاب: 28) الخ فيه إشارة إلى أن حب الدنيا وزينتها يكون سببا لمفارقة رسول الله صلى الله عليه وسلم والبعد عن حضرته الشريفة وأن محبته عليه الصلاة والسلام تكون سببا للأجر العظيم * (يا نساء النبي من يأت منكن) * (الأحزاب: 30) الخ فيه إشارة إلى تفاوت قبح المعاصي وحسن الطاعات باعتبار الأشخاص ومثل ذلك تفاوتها باعتبار الأماكن والأزمان
(١٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 ... » »»