تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٢ - الصفحة ٩١
بين هذه الصفات القبيحة عن الاتصاف بها المفضي إلى الإيذاء * (لنغرينك بهم) * أي لندعونك إلى قتالهم وإجلائهم أو فعل ما يضطرهم إلى الجلاء ونحرضك على ذلك يقال: أغراه بكذا إذا دعاه إلى تناوله بالتحريض عليه، وقال الراغب: غرى بكذا أي لهج به ولصق، وأصل ذلك من الغراء وهو ما يلصق به وقد أغريت فلانا بكذا ألهجت به، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أي لنسلطنك عليهم * (ثم لا يجاورونك) * عطف على جواب القسم وثم للتفاوت الرتبي والدلالة على أن الجلاء ومفارقة جوار الرسول صلى الله عليه وسلم أعظم ما يصيبهم وأشده عندهم * (فيها) * أي في المدينة * (إلا قليلا) * أي زمانا أو جوارا قليلا ريثما يتبين حالهم من الانتهاء وعدمه أو يتلقطون عيالاتهم وأنفسهم.
وفي الآية عليه كما في " الانتصاف " إشارة إلى أن من توجه عليه إخلاء منزل مملوك للغير بوجه شرعي يمهل ريثما ينتقل بنفسه ومتاعه وعياله برهة من الزمان حتى يتيسر له منزل آخر على حسب الاجتهاد، ونصب * (قليلا) * على ما أشرنا إليه على الظرفية أو المصدري، وجوز أن يكون نصبا على الحال أي إلا قليلين أطلاء، ولا يخفى حاله على ذي تمييز.
وقوله تعالى:
* (ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا) *.
* (ملعونين) * نصب على الذم أي أذم ملعونين أو على الحال من فاعل * (لا يجاورونك) * والاستثناء شامل له عند من يرى جواز نحو ذلك، وقد تقدم الكلام عليه عند قوله تعالى: * (إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه) * (الأحزاب: 53) وجعل ابن عطية المعنى على الحالية ينتفون ملعونين، وجوز أن يكون حالا من ضميرهم في قوله تعالى: * (أينما ثقفوا) * أي حصروا وظفر بهم، وكأنه على معنى أينما ثقفوا متصفين بما هم عليه * (أخذوا) * أي أسروا ومنه الأخيذ للأسير * (وقتلوا تقتيلا) * أي قتلوا أبلغ قتل. وقرىء * (قتلوا) * بالتخفيف فيكون * (تقتيلا) * مصدرا على غير الصدر. واعترض على الحالية مما ذكر بأن أداة الشرط لا يعمل ما بعدها فيما قبلها مطلقا وهذا أحد مذاهب للنحاة في المسألة، ثانيها الجواز مطلقا، وثالثها جواز تقديم معمول الجواب دون معمول الشرط. وجوز على تقدير كون * (قليلا) * حالا أن يكون * (ملعونين) * بدلا منه. وتعقبه أبو حيان بأن البدل بالمشتق قليل ثم قال: والصحيح أن * (ملعونين) * صفة لقليل أي إلا قليلين ملعونين ويكون * (قليلا) * مستثنى من الواو في * (لا يجاورونك) * والجملة الشرطية صفة أيضا أي مقهورين مغلوبا عليهم اه‍، وهو كما ترى.
وقوله تعالى:
* (سنة الله فى الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا) *.
* (سنة الله في الذين خلوا من قبل) * مصدر مؤكد أي سن الله تعالى ذلك في الأمم الماضية سنة وهي قتال الذين يسعون بالفساد بين قوم وإجلائهم عن أوطانهم وقهرهم أينما ثقفوا متصفين بذلك.
* (ولن تجد) * أيها النبي أو يا من يصح منك الوجدان أبدا * (لسنة الله) * لعادته عز وجل المستمرة * (تبديلا) * لابتنائها على أساس الحكمة فلا يبدلها هو جل شأنه وهيهات هيهات أن يقدر غيره سبحانه على تبديلها، ومن سبر أخبار الماضين وقف على أمر عظيم في سوء معاملتهم المفسدين فيما بينهم، وكأن الطباع مجبولة على سوء المعاملة معهم وقهرهم، وفي " تفسير الفخر ": * (ولن تجد لسنة الله تبديلا) * أي ليست هذه السنة مثل الحكم الذي يتبدل وينسخ فإن النسخ يكون في الأحكام أما الأفعال والأخبار فلا تنسخ. وللسدي كلام غريب في الآية لا أظن أن أحدا قال به.
أخرج ابن أبي حاتم عنه أنه قال فيها: كان النفاس على ثلاثة أوجه: نفاق مثل نفاق عبد الله بن سلول ونظائره كانوا وجوها من وجوه الأنصار فكانوا يستحيون أ يأتوا الزنا يصونون بذلك
(٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 ... » »»