تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٢ - الصفحة ١٠٧
وخرج عليه قوم * (يجتنبون كبائر الاثم والفواحش الا اللمم) * (النجم: 32) * (وخالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك) * (هود: 107) وقد حكى هذا القول مكى في نظير الآية ثم قال: وهو قول حسن لولا أن جميع البصريين لا يعرفون إلا بمعنى الواو كأنه لم يقف على قول الأخفش وهو من رؤساء نحاة البصرة أو لم يعتبره فلذا قال جميع البصريين، وقد كثر الكلام في هذا الوجه وارتضاه السراج البلقيني وأنا لا أراه مرضيا وأن أوقد له ألف سراج، وقيل العطف على ما سمعت وضمير * (عنه) * للغيب فلا إشكال إذ المعنى حينئذ لا يبعد عن غيبه شيء إلا ما كان في اللوح لبروزه من الغيب إلى الشهادة واطلاع الملأ إلا على عليه. وتعقب بأن المعنى لا يساعده لأن الأمر الغيبي إذا برز إلى الشهادة لم يعزب عنه بل بقي في الغيب على ما كان عليه مع بروزه، ومعناه أن كونه ففي اللوح المحفوظ كناية عن كونه من جملة معلوماته تعالى وهي إما مغيبة وإما ظاهرة وكل مغيب سيظهر وإلا كان معدوما لا مغيبا وظهوره وقت ظهوره لا يرفع كونه مغيبا فلا يكون استثناء متصلا، ألا ترى أنك لو قلت علم الساعة مغيب عن الناس إلا علمهم بها حين تقوم ويشاهدونها لم يكن هذا الاستثناء متصلا كذا قيل فتأمل ولا تغفل.
وأنت تعلم أن هذا الوجه على فرض عدم ورود ما ذكر عليه ضعيف لأن الظاهر الذي يقتضيه قوله تعالى: * (وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء) * (يونس: 61) الآية رجوع الضمير إلى الله عز وجل.
والذي ذهب إليه أبو حيان أن الكتاب ليس هو اللوح وليس الكلام إلا كناية عن ضبط الشيء والتحفظ به وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما * (ولا أصغر من ذلك ولا أكبر) * بكسر الراءين.
وخرج على أنه نوى مضاف إليه والتقدير ولا أصغره ولا أكبره، و * (من ذلك) * ليس متعلقا بأفعل بل هو تبيين لأنه لما حذف المضاف إليه أبهم لفظا فبين بقوله تعالى من ذلك أي أعني من ذلك، ولا يخفى أنه توجيه شذوذ.
* (ليجزي الذين ءامنوا وعملوا الصالحات) * متعلق بقوله سبحانه * (لتأتينكم) * على أنه علة له وبيان لمقتضى اتيانها فهو من تتمة المقسم عليه، فحاصل الكلام أن الحكمة تقتضي إثباتها والعلم البالغ المحيط بالغيب وجميع الجزئيات جليها وخفيها حاصل والقدرة المقتضية لا يجاد العالم وما فيه وجعله نعمة على ما مر فقد تم المقتضى وارتفع المانع فليس في الآية اكتفاء في الرد بمجرد اليمين، واستظهر في البحر تعلقه بلا يعزب.
وذهب إليه أبو البقاء. وتعقب بأن علمه تعالى ليس لأجل الجزاء، وقيل متعلق بمتعلق * (في كتاب) * وهو كما ترى.
* (ليجزى الذين ءامنوا وعملوا الص‍الح‍ات أول‍ائك لهم مغفرة ورزق كريم) *.
* (أول‍ائك) * إشارة إلى الموصول من حيث اتصافه بما في حير الصلة، وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد منزلتهم في الفضل والشرف أي أولئك الموصوفون بالإيمان وعمل الأعمال الصالحات * (لهم) * بسبب ذلك * (مغفرة) * لما فرط منهم من بعض فرطات قلما يخلو عنها البشر * (ورزق كريم) * حسن لا تعب فيه ولا من عليه.
* (والذين سعوا فىءاي‍اتنا معاجزين أول‍ائك لهم عذاب من رجز أليم) *.
* (والذين سعوا في ءاياتنا) * بالقدح فيها وصد الناس عن التصديق بها * (معاجزين) * أي مسابقين يحسبون أنهم يفوتوننا قاله قتادة، وقال عكرمة: مراغمين، والقال ابن زيد: مجاهدين في إبطالها.
وقرأ جمع * (معجزين) * مخففا، وابن كثير. وأبو عمرو. والجحدري. وأبو السمال مثقلا، قال ابن الزبير: أي مثبطين عن الإيمان من اراده مدخلين عليه العجز في نشاطه، وقيل معجزين قدرة الله عز وجل في زعمهم.
* (أول‍ائك) * الموصوفون بما ذكر وفيه إشارة إلى بعد منزلتهم في الشر * (لهم) * بسبب ذلك * (عذاب من رجز) *
(١٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 102 103 104 105 106 107 108 109 110 111 112 ... » »»