تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٢ - الصفحة ٢٠٤
* (آتيناهم) * للشركاء كالضمائر السابقة وضمير * (فهم على بينة) * للمشركين و " أم " منقطعة للاضراب عن الكلام السابق وزعم أن لا التفات حينئذ ولا تفكيك فتأمل.
وقرأ نافع. وابن عامر. ويعقوب. وأبو بكر * (على بينات) * بالجمع فيكون إيماء إلى أن الشرك خطير لا بد فيه من تعاضد الدلائل وهو ضرب من التهكم * (بل إن يعد الظالمون بعضا إلا غرورا) * لما نفى سبحانه ما نفى من الحجج في ذلك أضرب عز وجل عنه بذكر ما حملهم على الشرك وهو تقرير الأسلاف للاخلاف وإضلال الرؤساء للأتباع بأنهم شفعاء عند الله تعالى يشفعون لهم بالتقرب إليهم، والآية عند الكثير في عبدة الأصنام وحكمها عام؛ وقيل: في عبدة غير الله عز وجل صنما كان أو ملكا أو غيرهما.
* (إن الله يمسك السم‍اوات والارض أن تزولا ولئن زالتآ إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا) *.
* (إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا) * استئناف مقرر لغاية قبح الشرك وهو له أي إن الله تعالى يحفظ السماوات والأرض كراهة زوالهما أو لا تزولا وتضمحلا فإن الممكن كما يحتاج إلى الواجب سبحانه حال إيجاده يحتاج إليه حال بقائه، وقال الزجاج: * (يمسك) * بمعنى يمنع و " أن تزولا " مفعوله على الحذف والإيصال لأنه يتعدى بمن أي يمنعهما من أن تزولا، وفي البحر يجوز أن يكون أن تزولا بدل اشتمال من السماوات والأرض أي يمنع سبحانه زوال السماوات والأرض، وفسر بعضهم الزوال بالانتقال عن المكان أي أن الله تعالى يمنع السماوات من أن تنتقل عن مكانها فترتفع أو تنخفض ويمنع الأرض أيضا من أن تنتقل كذلك، وفي أثر أخرجه عبد بن حميد. وجماعة عن ابن عباس ما يقتضيه، وقيل: زوالهما دورانهما فهما ساكنتان والدائرة بالنجوم أفلاكها وهي غير السماوات، فقد أخرج سعيد بن منصور. وابن جرير. وابن المنذر. وعبد بن حميد عن شقيق قال: قيل لابن مسعود إن كعبا يقول: إن السماءتدور في قطبة مثل قطبة الرحى في عمود على منكب ملك فقال: كذب كعب إن الله تعالى يقول: * (إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا) * وكفى بها زوالا أن تدور، والمنصور عند السلف أن السماوات لا تدور وانها غير الافلاك، وكثير من الإسلاميين ذهبوا إلى أنها تدور وأنها ليست غير الأفلاك، وأما الأرض فلا خلاف بين المسلمين في سكونها والفلاسفة مختلفون والمعظم على السكون، ومنهم من ذهب إلى أنها متحركة وأن الطلوع والغروب بحركتها ورد ذلك في موضعه، والأولى في تفسير الآية ما سمعت أولا وكذا كونها مسوقة لما ذكرنا، وقيل إنه تعالى لما بين فساد أمر الشركاء ووقف على الحجة في بطلانها عقب بذلك عظمته عز وجل وقدرته سبحانه ليتبين الشيء بضده وتتأكد حقارة الأصنام بذكر عظمة الله عز وجل * (ولئن زالتا) * أي ان أشرفتا على الزوال على سبيل الفرض والتقدير، ويؤيده قراءة ابن أبي عبلة * (ولو زالتا) * وقيل إن ذلك إشارة إلى ما يقع يوم القيامة من طي السماوات ونسف الجبال.
* (إن أمسكهما) * أي ما أمسكهما * (من أحد من بعده) * أي من بعد إمساكه تعالى أو من بعد الزوال، والجملة جواب القسم المقدر قبل لام التوطئة في " لئن " وجواب الشرط محذوف لدلالة جواب القسم عليه، وأمسك بمعنى يمسك كما في قوله تعالى: * (ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك) * (البقرة: 145) ومن الأول مزيدة لتأكيد العموم والثانية للابتداء * (إنه كان حليما غفورا) * فلذا حلم على المشركين وغفر لمن تاب منهم مع عظم جرمهم المقتضى لتعجيل العقوبة وعدم إمساك السماوات والأرض وتخريب العالم الذي هم فيه فلا يتوهم أن
(٢٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 199 200 201 202 203 204 205 206 207 208 209 ... » »»